العدد 5567
الخميس 11 يناير 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
تعقيب حول التعليم الجامعي وسوق العمل!
الخميس 11 يناير 2024

وردني تعقيب من صديق على مقالة الاثنين الماضي (هل دور التعليم العالي خدمة سوق العمل فقط؟) تضمن الملاحظة التالية: “إن نخبة العلماء في العالم في الأزمنة القديمة والحديثة وحتى عهد ليس ببعيد، ومنهم علماء المسلمين الذين لهم إسهامات كثيرة في معظم العلوم، وقدموا للعالم ما قدموا من معارف ونظريات وأفكار واختراعات، كان جلّهم يشتغل في مهن لا علاقة لها بما برزوا فيه من علم، وما أبدعوا من فكر، مثل التجارة والخياطة والرعي والنجارة والزراعة وغيرها من مهن عصرهم. وتحصيلهم العلمي لم يكن بغرض الحصول على وظيفة. ونرى اليوم مثل هذا الأمر في البلاد المتقدمة، فالشهادة الجامعية عنوان للمعرفة وجواز عبور للحياة، وليست بالضرورة من أجل العمل، فمن المعتاد أن تجد سائق التاكسي في لندن أو في باريس أو في جنيف يحمل شهادة جامعية في أحد التخصصات العلمية أو الإنسانية. لأن العمل الذي اختاره أوفر دخلا من الوظيفة نفسها. ولذلك أستشعر أحيانا أننا نبالغ إلى درجة الهوس في جعل التعليم الجامعي مجرد خادم للسوق، فأضعنا العلم العميق والفكر الرصين والفلسفة، وقصرنا مهمة الجامعات على منح الشهادات ظنا أنها ستكون جواز السفر للحصول على الوظيفة.
قلت للصديق: أتفق معك في أن هناك مشكلة جادة تحتاج إلى نقاش عميق وفكر حصيف وإرادة حية للمعالجة، إلا أن أكثر ما يساق بهذا الشأن لا يزال يتصف بسطحية المقاربة إلى درجة الإخلال. ففي المجمل يجري التأكيد على ضرورة الربط الآلي بين التعليم العالي واحتياجات السوق، وهو أمر يصعب تحقيقه بشكل كامل أو شبه كامل اليوم. لكن من النادر أن يتم استحضار إشكالات سوق العمل ومعوقات النفاذ إليه، فما بالك بقوانينه وأنظمته الخاصة ومشكلاته البنيوية المزمنة، فالحديث يدور في الغالب عن (سوق) هلامي، وكأنه معطى متعال ومقدس. حتى أن معظم النقاشات بقيت سجينة المفاهيم التقليدية التي لا تأخذ بعين الاعتبار عولمة السوق والتبدل المستمر في أولوياته وبنيته حتى في البلدان المتقدمة، خصوصا في زمن الذكاء الاصطناعي وتوسع استخداماته المرعبة، وأثره في سوق العمل، وفي التعليم الجامعي، بثورته التي بدأت للتو.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .