ربما قسوة وفظاعة الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة ساهمت في مرور بعض الأحداث الأخرى مرور الكرام رغم أهميتها وضرورة التوقف عندها وإبرازها، ومن بينها إقرار البرلمان الدانماركي في 7 ديسمبر الجاري 2023م قانونا يحظر “المعاملة غير اللائقة” للنصوص الدينية، ليحظر بذلك وبصورة قانونية وعملية إحراق المصحف الشريف أو تمزيقه أو تدنيسه علنا، ومعاقبة المخالفين بالغرامة أو السجن لمدة تصل إلى عامين.
لم يكن ذلك أمرًا سهلاً على بلد لدى أبنائه تصور معين وتمسك شديد بحرية الرأي والتعبير وفق منظورهم ومنطلقاتهم التي قد تختلف وتتعارض مع دول وثقافات أخرى، وعلى بلد سجل خلال شهور قليلة عشرات حالات الانتهاك والإساءة، إذ سجلت 483 حالة لإحراق رموز أو أعلام بين 21 يوليو و24 أكتوبر 2023، بحسب الشرطة الدانماركية نفسها. لهذا، واجه مشروع القانون ـ الذي تم إقراره ـ في صيغته الأولى انتقادات من اتجاهات شتى كالسياسيين والخبراء والفنانين ووسائل الإعلام والجمعيات والأحزاب المعارضة التي رأت فيه مساسًا بحرية التعبير، وعودة إلى ما سمي بقانون التجديف العائد إلى 334 عاما، وألغي عام 2017. ولهذا أيضًا، تم تمرير مشروع القانون بصعوبة وبأغلبية 94 صوتًا مقابل 77 صوتًا معارضًا في البرلمان المؤلف من 179 مقعدًا، وبعد تطمينات من وزير العدل الدانماركي بيتر هاملغارد بأن القانون يستهدف التعامل غير المناسب مع الكتابات التي لها أهمية كبيرة لدى ديانة وأنه لن يشمل “التعابير اللفظية أو المكتوبة” المسيئة للديانات بما في ذلك الرسوم الكاريكاتورية بعد أن كان يفترض أن يشمل رموزا ذات أهمية دينية كبيرة. أما عن الدافع لهذه الخطوة، فقد ألمح الوزير الدانماركي إلى تزايد التهديدات الإرهابية ضد البلاد، وتعرض مصالحها وأمنها للخطر جراء ما أحدثته جرائم حرق المصحف الشريف في الدانمارك (ودول أخرى) من غضب عم الكثير من الدول الإسلامية، ومن ذلك تعرض بعض سفاراتها بالخارج للخطر، وهو ما عبر عنه هاملغارد صراحة بقوله “لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي، بينما يقوم عدد قليل من الأفراد بكل ما في وسعهم لإثارة ردود فعل عنيفة”، مؤكدًا أن حرق المصحف “ينم في الأساس عن الازدراء وعدم التعاطف... يسيء إلى الدانمارك ويضر مصالحها”.
* كاتب مصري