ربما لم أنتبه من قبل لهذا الدور الإنساني الكبير والمحفوف بالمخاطر لموظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلا أن لحظات الترقب والمتابعة لتبادل الأسرى وتسليم الرهائن بين حركة حماس وإسرائيل، حيث كان هؤلاء في القلب منها وأداة تنفيذها، جعلني أهتم بتاريخ ومسيرة هذه اللجنة وأتساءل عن هذا الوسيط الذي يحظى باحترام وثقة الأطراف المتحاربة، وعن هؤلاء البشر الذين ينخرطون طواعية في أماكن الحروب والصراعات ويعرضون حياتهم للموت من أجل إنقاذ ومساعدة الآخرين، ورأيت أن من أبسط حقوقهم علينا التعريف بهم كواحدة من أعرق المنظمات العاملة والفاعلة في أوقات الحروب والأزمات، وكانت بدايتها مؤشرا واضحا على نبل مقاصدها إذ تأسست عام 1863 على يد فاعل خير سويسري وهو هنري دونان، وكان مهتمًا بتحسين العناية بالجنود الجرحى في زمن الحرب.
ولكي يكون عملها شرعيًا وقانونيًا وقادرًا على تحقيق أهدافه سعت اللجنة لتوفير الغطاء القانوني، وتمكنت في أغسطس 1864، من إقناع الحكومات باعتماد اتفاقية جنيف الأولى التي ألزمت الجيوش العناية بالجنود الجرحى أياً كان الطرف الذي ينتمون إليه، كما اعتمدت شارة موحدة للخدمات الطبية وهي: "صليب أحمر على أرضية بيضاء".
وفي عام 1949، وافقت الدول على مراجعة اتفاقيات جنيف الثلاث القائمة (التي تغطي الجرحى والمرضى في الميدان، وضحايا الحرب في البحار، وأسرى الحرب) وإضافة اتفاقية رابعة: لحماية المدنيين تحت سلطة العدو. ولتمنح التفويض الرئيسي للجنة الدولية للصليب الأحمر في حالات النزاع المسلح، إذ تقوم بزيارة الرهائن ومساعدتهم طبيا وطمأنة أسرهم، استنادًا إلى هذا الغطاء القانوني الملزم، واعتمادًا على ثقة الأطراف المتحاربة في أهمية ونزاهة عملها.
إضافة إلى عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على حماية أرواح البشر والتخفيف من معاناتهم وتوفير الرعاية لهم في أوقات النزاع والحرب، فإنها تدير عددا من الصناديق (من أهمها الصندوق الفرنسي موريس دو مادر، صندوق الامبراطورة شوكن، صندوق بول رويتر) التي أنشئت بتبرعات أفراد ومنظمات وتساعد في تحقيق أهدافها، وتسهم في تكريم الأفراد أصحاب الإسهامات المميزة، ومساعدة الموظفين الذين يواجهون ظروفا صعبة نتيجة طبيعة عملهم وقت النزاعات.
كاتب مصري