شاهدت فيلما وثائقيا عن انتشار الفقر في العديد من الدول الأفريقية، وقد طرح الفيلم أسبابا عديدة لبقاء هذه الدول والمجتمعات أسيرة لمقاعد التخلف والجوع، أولها انعدام الأمن، وثانيا الفساد، وثالثا عدم الابتكار والإحساس بالمسؤولية من قبل المواطن، والذي وجد نفسه في طاحونة تقاتل الأحزاب السياسية والتنظيمات، والسبب الرابع وهو الأهم، افتقار تلك الدول للعلوم الإنسانية، أي أن طبيعة النظام التعليمي بمختلف مراحله لا تزال بدائية لا تحقق التقدم والازدهار.
يتأكد لنا بلا أدنى شك أنه ليس أمام هذه الدول من طريق للخروج من مأزق الفقر المتخلف الذي تتردى فيه غير التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، المؤسسة على خطط علمية طموحة، وبالطبع فإن بناء هذه الخطط ونجاحها رهن تحديد الفلسفة الاجتماعية والاقتصادية التي يتبناها المجتمع، ورهن حسن وصدق تقدير الواقع الذي تنبثق منه هذه الخطط لتحقيق الأهداف المرجوة وبالوسائل التي يمكن تدبيرها، وكل هذه الأمور تستوجب المزاوجة بين العلوم التقنية وبين العلوم الإنسانية، وبعبارة أخرى فإن العلوم الإنسانية من اجتماع واقتصاد وسياسة وغيرها تشكل الإطار الذي يمارس من خلاله المصمم والمخطط اطلاعه وتفكيره وخلق نماذجه الحياتية.
مازال الطالب الجامعي في تلك الدول بعيدا عن الخلق والإبداع والرؤى الفكرية المختلفة، لأن الجامعات نفسها تفتقد منجزات العلم والتكنيك، وتعاني من صعوبات مادية هائلة، وأيضا نقص في الكوادر ذات الكفاءة العالية، كالعلماء والباحثين، وهذه معضلة اجتماعية واقتصادية خطيرة وعواقبها على المجتمع وخيمة، كما أن الجامعات هناك لا تكسب خريجها عادة المطالعة وفضيلة التفكير وصلاحية الممارسة، والاكتشافات العلمية والحضرية الجديدة.
عموما.. يصعب على الإنسان أن يرى كل ذلك ونحن في القرن الـ 21، لكن نعود إلى نقطة البداية وهي أن سبب تخلف تلك الدول تقاتل الأحزاب السياسية التي أدت في نهاية المطاف إلى كسر ضلع المجتمع.
* كاتب بحريني