عندما تقرأ بعض الروايات الخيالية، تشعر أنها نابضة بالحياة وترتفع إلى مستوى إنساني يصل إلى حدود التوحد مع الروعة والجمال كله، روايات تجعلك تغوص في صقيع الانبهار، ويقف المؤلف منها موقف النحات.
رواية “النمر الأبيض” للكاتب المجري أرفن لازار، تروي قصة نمر أبيض هائل يقتحم مطعما، في مدينة وزمان لا يحددهما الكاتب، فيستولي الفزع على جميع رواد المطعم ويهربون إلا واحدا وهو “غابور ماكوس” الذي كان مطمئنا في مكانه، فيتجه نحوه النمر ويربض عند قدميه بوداعة، ويطيع أوامره، ويفهم كل ما يقوله له، وإذ يعود ماكوس إلى حجرته المستأجرة يتبعه النمر كما يتبع الكلب صاحبه.
وتتوالى أحداث الرواية بعد ذلك لتكشف عن مغزاها العميق، فالنمر الأبيض هو تجسيد لكل ما هو نبيل وجميل في الحياة، وهو يريد أن يعلم ماكوس وأبناء المدينة الخيالية التي يحيا فيها أن يعيشوا بطرق أكثر إنسانية، بيد أن المجتمع لا يريد ذلك بالطبع، لذا فهو يعادي النمر ويحاول القضاء عليه بشتى الوسائل، لكن النمر يتمتع بقوة خارقة يستمدها من نقائه، فالرصاص لا يخترق جسمه والقضبان الحديدية والجدران لا تقف حائلا في سبيله، ومع مضي الزمن يكتشف ماكوس أن بمقدوره أن يستغل سيطرته على النمر للسيطرة على الآخرين أيضا، فيقع لشهوة السيطرة وتستبد به الرغبة الدنيئة في إذلال أعدائه وأصدقائه على السواء، ومع هذا التحول الذي يطرأ على نفسية ماكوس، يبدأ النمر فقدان قوته الخارقة بالتدريج، ويتحول فراؤه الأبيض إلى رمادي كالح، وتنتهي الرواية بهروب ماكوس والنمر من المدينة التي فطن أهلها إلى حقيقة ما حدث. 
ورغم أن الرواية خيالية في إطارها العام، إلا أن تفاصيلها وأحداثها اليومية مرسومة بكثير من الدقة والواقعية، وقد تحاشى المؤلف أية نزعة تعليمية وترك أحداث روايته نفسها تنقل إلى القارئ العبرة الأخلاقية والحقائق الإنسانية التي توخى إبرازها.
* كاتب بحريني