العدد 5354
الإثنين 12 يونيو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
حوارات مع الصديق 4: شنطة الوهم!
الإثنين 12 يونيو 2023

سألني الصديق: ما أسوأ أنواع التجارة من وجهة نظرك؟ قلت: المتاجرة بأحلام الناس أو بيعهم الوهم، وأسوأ أنواع الوهم الإيهام بالحلول الخارقة التي لا تدعمها معطيات الواقع، أو توظيف المقدس أو غيره بهدف استغلال أوجاع الناس.. فهناك اليوم من لا يتورع عن اعتبار نفسه ناطقا باسم الناس، ولا ينطق عن الهوى، مع أن آخر همه مصلحة الناس، فأمثال هؤلاء لا تحركهم في الغالب سوى ذواتهم ومصالحهم الضيقة، كما أن هناك فئة أخرى الآخر لا يصدر عنها من قول أو فعل إلا وفق قاعدة “من تزوَّج أمي أقول له عمي”.
قال الصديق: كأنك بقولك هذا تضع الجميع في خانة واحدة، فهناك الصادقون دوما، المخلصون ممن تهمهم مصلحة الناس ويعملون من أجلها؟ قلت: نعم هناك الصادقون المخلصون الذين يناضلون من أجل الحق والعدل، وهم ليسوا قلّةٍ، والحمد لله، لكنني أتحدثُ عن تجار شنطة الكذب والوهم: يتقلبون على ظهروهم وبطونهم، استمرأوا اللعب على الحبال وأتقنوا فنون الكذب والقدرة على الانتقال من موقع إلى نقيضه، كلما استدعت مصلحتهم ذلك. ويمكن لهذا الصنف من البشر أن يكتب أو يتكلم عن الوطنية وهو في موقع الخيانة، وعن الشفافية وهو في موقع الشبهة، وعن القومية وهو في موقع الانعزال، وعن القيم وهو في موقع الفساد، وعن الإيمان وهو في موقع الكفر. يلجأون إلى المديح المجاني السمج، وقد تزيد جرعة النفاق لديهم ليتحولوا إلى الدجل والاحتيال لاستدراج الناس إلى مواقع الهزيمة والخسران.. يبحثون باستمرار عما يمكن للوطن أن يقدمه لهم فقط، لا ما يجب أن يقدموا له، متجاهلين أن الوطن أعظم من أن يكون كنزًا من المغانم العابرة.
قال الصديق: فعلا.. الوطن أعظم من أن يكون خارطة جغرافية أو كتاب تاريخ ومجموعة من المكاسب، إنه حقوق وواجبات، كرامة وانتماء وقناعة راسخة في العقل والقلب. ومن دون ذلك لا يعود الوطن وطناً، بل مجرد حفنة من تراب ومجموعة ذكريات لا تسد جوعاً ولا تروي عطشاً.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية