العدد 5336
الخميس 25 مايو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
سيرة "فــورد" أم على خطى "يلتسين"؟!
الخميس 25 مايو 2023

منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، فتحت في بلدان عربية عديدة ورشة بيع القطاع العام أبوابها على مصراعيها، استجابة في الغالب لنصائح المؤسسات المالية الدولية، فكثر منذ ذلك الحين الحديث عن عيوب القطاع العام وكوارثه الاجتماعية والاقتصادية، وبموازاة ذلك كثرت الأحاديث عن إعادة هيكلة الاقتصاد العربي وإصلاحه، تنفيذا للوصايا الجاهزة.

وبما أن القطاع العام، كما تم تشخيصه وقتها "فاشل وغير منتج ومفلس"، كنا ننتظر أن يحقق التخلص منه النقلة النوعية الموعودة، إلا أن شيئا من ذلك لم يتحقق، بل ساءت الأمور وتعقدت واتسع نطاق الفقر والاضطرابات في العديد من البلاد العربية. لأن جيل الخصخصة العربية المشغول بالربح السريع ومراكمة الثروة والتحرر من المسؤولية الاجتماعية، لم يكن قادرا على إنقاذ الاقتصاد من أدوائه المزمنة، أو الارتقاء بمستوى العيش وتوفير ملايين مواطن العمل للشباب، كما أن وصفات صاحبة الوصايا العلاجية لم تحقق الرخاء المنشود، ولا التنمية المنتظرة.

إنّ الاقتصاد العربيِّ - كي ينهض - يحتاج إلى جهد الدولة، كما يحتاج إلى تحرير المبادرة وتعزيز دور القطاع الخاص المنتج، من خلال رجال أعمال رواد من ذوي القدرة والريادة والإبداع والمغامرة. هؤلاء بإمكانهم خلق التغيير، بدلا من الاتكال على الدولة، وبإمكانهم تنمية المهارات الاحترافية، بشكل أرقى من العفوية السائدة حاليا، كما بإمكانهم تبني حلقات الجودة على الطريقة اليابانية، وخلق علاقات أكثر ديمقراطية، وعدم النظر إلى الناس على أنهم مجرد (تروس) في ماكنة أو بيادق تنفيذ تسمع وتتحرك دون فكر، مع ضرورة إيلاء اهتمام أكبر بالمسؤولية الاجتماعية.

أما الحديث المتكرر عن الإصلاح الاقتصادي كمرادف لبيع القطاع العام أو التفويت فيه، فإنه ينطوي على مخاطرة تأكدت نتائجها السلبية، كما شخصتها العقول الواعية حتى في الغرب الرأسمالي نفسه. وإذا كان لابد من ابتلاع (الوصايا)، فعلى الأقل يجب الاهتداء بما أنتجته نوابغ الرأسمالية الحيّة المنتجة في أميركا وأوروبا الغربية، ومهندسو الصناعات اليابانية وغيرها من الفتوحات المدهشة. فالاهتداء بسيرة (هنري فـــورد) يبقى في جميع الأحوال أفضل بكثير من السير على خطى (بوريس يلتسين).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .