العدد 5327
الثلاثاء 16 مايو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
خارج المنطق التقسيمي
الثلاثاء 16 مايو 2023

إن البحث خارج منطق الخطاب التقسيمي للمجتمعات، يقود إلى التعلق ببنية الخطاب العقلاني الوطني المضاد له، شكلاً ومضموناً.. هذه التقسيمات (الطائفية، والمناطقية، والعرقية والدينية..) تبدو اليوم زاحفة بقوة في أكثر من إقليم عربي، وتتمظهر في اللغة والسياسة والإعلام وفي كل شيء تقريبا.
إن هذا المنطق الذي يقسم المجتمع إلى فئات ومجموعات يتحصن به البعض صراحة والبعض مواربة، وهو ليس مجرد لعبة كلامية أو حالة عارضة، إنما هو فكرة ورؤية تعي ما تريده وتعلن عن نفسها بطرق مختلفة، تهدف صراحة إلى الهيمنة على الآخرين، والحلول محل الوطن واحتوائه وإضفاء صفاتها عليه، في سبيل تشييد عالمها الخاص مكانه، في هيئة حروب ومواجهات لا نهاية لها.
إن الوطن ظاهرة تاريخية حيّة، لا يحتمل ولا يطيق منافسة أية تقسيمات له على السيادة، لذلك لا مجال هنا، لأية حلول تلفيقية تخترع توازنات وهمية بين الوطن وهذه التقسيمات لتجريدها من أية صفات سلبية بغرض إخفاء جوهرها المخادع المخاتل. كأنْ يسمي الطائفيُّ نفسه إسلاميا، أو قوميا أو تنويريا أو حقوقيا.. فإن هذه الدعوة على الرغم مما تتستر به من صفات ملفقة، تكرس في الواقع الطائفية أو التقسيمات المماثلة لها، لإعادة إنتاج الهيمنة، بدلا من تعزيز المواطنة المتساوية، والخروج من الحلقة المفرغة التي يولدها غياب الوطن وغياب المواطن.
إن الطائفية على سبيل المثال حين تحل محل الوطن وتحتويه فإنها تضفي عليه صفاتها وخصائصها عليه، وتنفيه لتشيِّد عدمها الخاص مكانه في هيئة حروب عقيمة، إلى درجة التكفير والنفي، باسم الطائفة وباسم الدين، حيث تستثمر قوة سياسية منظمة وضعا تاريخيا معقدا لإحلال نفسها محل الوطن، فتلغيه بما فيه ومن فيه، ويكون كل شيء مباحا في هذه الحالة، وعلى هذا النحو، بما في ذلك التحالف مع الخارج إذا لزم الأمر، لتحقيق الهيمنة، ومن هنا يتم إدخال الأوطان في صراع مع جميع المكونات التاريخية والإنسانية في معارك لا تنتهي إلا بالتقسيم أو وضع جدران الفصل الملونة ليعيش وراءها كل فريق منعزلا عن الآخر.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية