لقد تقدم بي العمر ولم يتبقَّ الكثير، هكذا كان يردد أحدهم على مسامعي، هو لم يبلغ حتى منتصف العمر، كان يتحدث عن عجزه عن تلقي العلم وعجزه عن الخوض في أية تجربة جديدة، يكثر من ترديد هذه العبارة (في هذا العمر) حتى حسبت أن المتحدث يحصي أيامه المعدودة.
يختلف الناس في نظرتهم لأعمارهم وتفسيرهم ماهية العمر، فالبعض يعتقد أنه بتجاوزه سن الثلاثين قد بدأ مرحلة العجز، تبدأ نظرته للحياة تضيق، يعمل على تقييد إمكانياته ويضع العواقب أمام فرص الحياة القادمة، ويبدأ الشعور بالذنب يتفاقم مع التفكير بزوال الصحة بل وتوهم المرض أحياناً، هذا التفسير انعكاس للفكر السلبي الذي يضيق حدود الأفكار والمشاعر والسلوكيات، بخلاف أصحاب التفكير الإيجابي ووهم أصحاب الفكر السوي والسليم الذي يقتضي النظر للعمر بحقيقة عقلانية تبدأ بشكر الله على البركة في العمر، ومن ثم مضاعفة هذا الثناء باستثمار هذه النعمة في العيش بصورة سعيدة ومتوازنة لأنه كلما تقدم العمر بنا زادت تأملاتنا في ذاتنا، وأدركنا عظمة النعم، حتى تفسيرنا للسلوكيات المختلفة يصبح أكثر منطقية فتتضاعف قدرتنا على التعامل مع التحديات وتكون هناك فرص للنجاح باهرة على مستوى الأسرة، العلاقات الاجتماعية، الجانب المهني وجوانب تحقيق الشغف بأنواعه، وها نحن نبصر وجوها تقدمت في العمر ما زادها الكبر إلا وهجا من التفاؤل والرغبة في الاستمرار من أجل تعمير الأرض، فالعمر الحقيقي يظهر في تفاصيل الروح، لا في رقم يرعب البعض ويزيد عجزهم. 
* كاتبة وأخصائية نفسية بحرينية