العدد 5291
الإثنين 10 أبريل 2023
banner
توقعات الدكتور محمد جابر الأنصاري حول بروز الصين قوة عظمى في القرن الحادي والعشرين
الإثنين 10 أبريل 2023

عرف الدكتور محمد جابر الأنصاري كأحد كبار رجالات الفكر والثقافة في الوطن العربي. وغطت مقالاته ودراساته وأبحاثه في الفكر والسياسة وما صاحبها من تنبؤات، الكثير من صحافة الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه.
اختار الدكتور الأنصاري منطقة الفكر فأخذ يطل منها، وهي ساحة معرفية مشتركة تقع على خطوط التماس مع الدين والفلسفة والسياسة والأدب. وعالج من خلالها واحدة من أدق وأعقد إشكاليات العصر آنذاك وأكثرها مدعاة للجدل والحوار.. ألا وهي “التوفيقية”. وقد أشار المفكرون والنقاد العرب بجهوده المتعلقة بالتوفيقية ومن بينهم رجاء النقاش، والدكتور شكري عياد، ومحمود أمين العالم الذي تحدث بإعجاب عن رؤية الأنصاري المتعلقة بالتوفيقية قائلًا: (لعل أبرز من قدم دراسة مستفيضة للتوفيقية محمد جابر الأنصاري... وإذا كانت الرؤية التوفيقية عند زكي نجيب محمود، وعبدالحميد إبراهيم يغلب عليها الطابع التحليلي الشخصي، فإن رؤية الأنصاري تقترب من الطابع الجدلي المتطلع لتجاوز هذه التوفيقية).
كما تبنى الدكتور محمد جابر الأنصاري مشروعًا فكريًا وثقافيًا بالغ الأهمية، تمثل في التركيز على دراسة البنيتين الذهنية والمجتمعية للواقع العربي، وهو المشروع الذي حظي باهتمام النخب المثقفة في الوطن العربي ونشرته العديد من الصحف الصادرة في الوطن العربي. ونظمت المحاضرات والندوات لدراسة مشروعه الفكري من مختلف جوانبه، وشغلت تحليلاته وتوقعاته كبار المفكرين العرب واعتبروه من بين أبرز رواد الفكر العربي في التاريخ المعاصر. فقد شخص الواقع السياسي في الوطن العربي حينذاك، وهو واقع ينتقد أدبيات الأحزاب القومية الراديكالية والأصولية الدينية، وطالب أن يكون النقد أكثر واقعية وأكثر استنادًا إلى الحقائق المعرفية. فالواقع العربي كما يؤكده الدكتور الأنصاري يستحق النقد، وتطلب أن ينقد ولكن على أسس معرفية وحقائق ناصعة. فالنقد الخاطئ الذي لا يستند على أسس ومعايير معرفية نتيجته الخراب والدمار، وهذا ما ذهبت إليه الأحزاب العربية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين في تشخيصها الواقع العربي الراهن بشكل خاطئ، دفعت الجماهير إلى تضحيات كبيرة على أساس من النقد الخاطئ.
يتميز الدكتور الأنصاري بصدق توقعاته التي وثقها في بعض مؤلفاته التي أصدرها عبر سنوات مختلفة وتحققت جميعها. ومن بين أهم توقعاته التي وثقها في كتابه الصادر العام 1985م تحت عنوان (العالم والعرب عام 2000م) تفكك الاتحاد السوفيتي وبروز الصين كقوة عظمى، سابقًا بذلك توقعات ريتشارد نيكسون التي ذكرها في كتابه (الفرصة السانحة) الذي صدر بعد توقعات الأنصاري، ذاكرًا تحليلات وتوقعات سبقه إليها الدكتور الأنصاري.
تحدث الأنصاري في محاضرة له مضى عليها حتى يومنا هذا زهاء 38 سنة، نظمت في نادي الخريجين العام 1985م ضمن الموسم الثقافي لإدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام ركز فيها على بروز القوة الصفراء المتمثلة بشكل رئيسي في الصين، مؤكدًا في محاضرته أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن القوة الصفراء، أو قرن (الخطر الأصفر) كما يطلق عليه الكتاب في الغرب. وهذه القوة الصفراء تختلف من وجهة نظر المفكر الدكتور الأنصاري عن القوة البيضاء في مواقفها من العرب من عدة أوجه. فهي كما يذكر الأنصاري تلتقي معنا في إطار الرابطة الشرقية، وهي على اتصال حضاري وودي دائم معنا منذ عهود قديمة عن طريق المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي. كما أن القوة الصفراء، لا تحمل ضدنا الرواسب الصليبية والاستعمارية، ولا تريد السيطرة علينا سياسيًا أو محاربتنا دينيًا وقوميًا.
انطلاقًا من تلك المعطيات طالب الدكتور محمد جابر الأنصاري العرب وبصورة خاصة الدول الخليجية بالتعاون مع هذه القوة الشرقية الجديدة المستقلة عن الهيمنة الغربية، واستخدامها على الأقل كقوة توازن وتحييد لضغوط القوة الغربية كما ذكر ذلك الأنصاري بالحرف الواحد في محاضرته السالفة الذكر. وفي جانب من محاضرته توقع أن تكون منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية واجهة التعامل والتفاعل مع الصين لاعتبارات جغرافية واستراتيجية واقتصادية، وإن مستقبل علاقة هذه القوة مع العرب سيتقرر إلى حد كبير بالكيفية التي سيتفاعل بها عرب الجزيرة والخليج مع المعطيات الحضارية لهذه القوة الصاعدة.
وحري بالذكر أن التوقعات والتنبؤات التي طرحها الدكتور محمد جابر الأنصاري في منتصف عقد الثمانينات من القرن العشرين، أصبحت واقعًا ملموسًا في أيامنا هذه، إذ إن منطقتنا الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الشقيقة التي تتمتع بمكانة عالية على المستوى الدولي، كما تتمتع باقتصاد قوي وبموقع استراتيجي مهم، تشهد في وقتنا الحاضر تنامي علاقات ودية وثيقة مع الصين، الأمر الذي سيعزز الأمن والاستقرار لجميع الدول المطلة على ضفاف الخليج العربي، كما سيؤدي في المحصلة النهائية إلى ازدهارها على مختلف الأصعدة.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .