العدد 5285
الثلاثاء 04 أبريل 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
موت الرأسمالية الاجتماعية الأوروبية
الثلاثاء 04 أبريل 2023

من الواضح أن النموذج الأميركي للاقتصاد في طريقه إلى سحق نموذج الرأسمالية الاجتماعية الأوروبية التي حافظت خلال أكثر من نصف قرن على الاستقرار والرفاه في معظم البلدان الأوروبية. إلا أن ذلك بدأ يتغير مع التراجع الواضح عن الطابع الاجتماعي والتخلي التدريجي عن الاقتصاد الأوروبي المقيَّد بتدخل الدَّولة، والسعي في مجال الرعاية الاجتماعية، والعمل، والاستثمار، والضرائب. مع أن النموذج الأميركي يغرق في سلسلة من المصاعب المعقدة، ويتسم بطابع لا إنساني ولا اجتماعي، يؤدي إلى تدمير المزيد من الوظائف وفرص العمل وتخريب أنظمة الحماية الاجتماعية، وأنظمة التقاعد والخدمات الصحية، بعكس النموذج الأوروبي الذي درج على الإعلاء من شأن البعد الإنساني والاجتماعي في ظل نظام رأسمالي (اجتماعي) متوازن.
على الصعيد السياسي فإن نموذج الاتحاد الأوروبي للتعاون والتعايش والتكامل، يواجه تحديات كبيرة، من مظاهرها تآكل قدرة الاتحاد على لعب أي دور مستقل في العالم، في مواجهة تنامي الهيمنة الأميركية الجامحة، وضغوطها لشل مؤسساته وتطويع السياسات الداخلية لمتطلبات العولمة النيوليبيرالية وسياساتها الخارجية للتكيف مع متطلبات الزعامة الأميركية، وقد أكدت الحرب الروسية الأوكرانية الجارية حاليا هذه الحقيقة.
إن أوروبا المسلوبة الإرادة تتحول إلى مجرد مؤسسة كبيرة لإدارة الأعمال من دون أن يكون لها دور مستقل وإيجابي في إدارة الصراعات الدولية والتأثير في مستقبل العالم، وبما يساعد على تقديم نموذج مبني على الحرية والعدالة الاجتماعية والتوقف عن دعم الحروب الأميركية وتمويلها. فقد كان أمام أوروبا فرصة لتوفير أجوبة خلاقة رداً على التحديات، بما في ذلك مشكلات الحروب والسلام، ووجاهة النموذج الاجتماعي للرأسمالية الأوروبية التي تحقق التوازن والاستقرار والسلام. إلا أن ردود الفعل الحالية للمسؤولين الأوروبيين على المأزق الذي وضعت الولايات المتحدة العالم فيه، ليست على مستوى الفرصة التاريخية المتاحة، فأوروبا تخلت عن استقلاليتها وعن آمال شعوبها وتحولت إلى مجرد خزان إضافي تابع للسياسات الأميركية. لذلك كلما غرقت الولايات المتحدة في حروبها، اتكلت أكثر على حلفائها الأوروبيين الخاضعين لها. ولم يبق أمام المواطنين الأوروبيين، سوى الخروج إلى الشوارع للاحتجاج على التورط في الحروب والانسياق وراء الإملاءات الأميركية.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .