العدد 5280
الخميس 30 مارس 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
حروب العقول والثقافة!
الخميس 30 مارس 2023

تفتح الراديو فتجتاحك أخبار الحرب، تفتح التلفزيون فتهجم عليك قصص الحرب المستعرة، تحضر مجلس أصدقاء فتهيمن على الأجواء والأحاديث ذات الحكاية: الحرب وما أدراك ما الحرب! إنها لحظة موجعة مهيمنة.
الغريب في الأمر أن الإنسان هو من يصنع هذه الحروب، وهو من يغذيها بالآيديولوجيا والمصالح والمبررات، وهو في ذات الوقت من يلعنها ويلعن من يتسبب فيها.. الأغرب من ذلك أن هناك من يستمتعون بالحروب وأخبارها وضرورتها، بل ويتغنون بها، وكأنهم يتحدثون عن مجريات مباراة كرة قدم بين الروس والأوكران، أو بين الأفغان والأميركان، وهذه الفئة من الناس لا تقل سوءا عن صناع الحروب ومبعثيها، لأنها تصنع الحروب في النفوس، وتحفر لها مجرى في العقول، بتبريرها وتمجيدها، في تعارض تام مع المنطق الإنساني المرتبط بالحياة، والذي يرى في الحروب عدمًا نقيضًا للحياة، ولذلك لا يعمل فقط على إيقافها فحسب، بل على منع وقوعها أصلا. 
إن الحروب تنشأ في العقول أولا، من خلال غسل الأدمغة والتحريض واستحضار تاريخ الأوهام وأنواع الشوفينيات والفاشيات السياسية والعسكرية والدينية والطائفية، بتأجيج الكراهية بين الشعوب والأديان والثقافات، لذلك فإن الذين زرعوا الانقسامات وغذوها ورعوها، يجلسون اليوم على الربوة، فيما يحترق العالم بنارها.
لقد شهدت البشرية أصنافًا لا تحصى من مظاهر القسوة والبربرية والعنف والمجازر التي سببت سلسلة من الكوارث المأساوية المتعاقبة حتى داخل المجتمعات الغنية، إلا أنه وعند أول مواجهة أو خلاف سياسي أو عسكري، تتمترس الثقافة لتتحول إلى أداة من أدوات الحرب، وإذا لم تتم السيطرة على النزعات الهمجية المتوحشة في طمعها وعنفها، فسيكون من المستحيل وقف المشاكل المولدة للحروب والمآسي. وإذا ما أريد للعنف والحروب أن تتراجع، فلا بد من الحد من النتائج الأكثر تدميرًا للإنسان، من الإذلال والإفقار والاستغلال، والتي تغرق فيها مناطق وقارات بأكملها، كما أن الوفاق الدولي من أجل السلام، لا يمكن أن يتحقق إلا مع العدالة ووضع حد للاستغلال والظلم والتعدي، ووضع حد لمنطق القوة المريضة بالعظمة والتي تسعى لفرض قانونها على العالم مهما كان الثمن.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .