العدد 5261
السبت 11 مارس 2023
banner
فضاءات لغوية رضي السماك
رضي السماك
المرأة بعد ثلاثة قرون
السبت 11 مارس 2023

جاء انعقاد الدورة السنوية للجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة متزامنا مع يوم المرأة الذي احتفل به العالم مؤخراً، وفي كلمته أمام هذه الدورة أبدى أنطونيو غوتيرش أمين عام المنظمة الأممية تشاؤمه بعيد المدى لمستقبل حقوق المرأة عالمياً، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساواتها بالرجل باعتبارها قضية عالمية. وقال: إن مثل هذه المساواة لن تتحقق قبل 300 عام، إذا بقيت الأمور على المنوال الحالي. ولكي يعزز مصداقية تشاؤمه يلفت غوتيرش انتباه العالم إلى مؤشر بالغ الخطورة يتمثل في أن ما حققته المرأة من تقدم خلال عقود يتلاشى أمام أعيننا. مضيفاً: إنه لا يزال ثلاثة مليارات إنسان في البلدان النامية معظمهم من النساء لا علاقة لهم بالإنترنت، وإن الفتيات تشكلن ثلث طلبة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وعلى هذا النحو أكدت سيما سامي المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة الفجوة الرقمية بين الجنسين في الانتفاع من الشبكة العنكبوتية، وما تتعرض له الصحافيات في العالم من تحرش على الشبكة نفسها أثناء عملهن.

على أن ثمة قضايا أكثر أهمية لم تتضمنها كلمات مسؤولي المنظمة الدولية في الدورة الحالية، أو لم يجر التركيز عليها، ومنها قضية استقلال المرأة عن الرجل اقتصاديًا كأولوية قصوى، وهذا لا يتحقق إلا من خلال توفير فرص العمل للنساء، بشكلٍ متكافئ مع الرجل، وهذا الأخير يشكو في بلدان عديدة من العالم من عدم التكافؤ مع بني جنسه في التوظيف، وفي مساواته بأخيه الرجل في العمل؛ لأسباب متعددة. كما أن قضية المرأة لم تعد تقتصر على المجتمعات النامية، بل متورطة فيها دول صناعية متقدمة تتباهى بنظمها الديمقراطية. والحق فإن قضية مساواة المرأة بالرجل علاوة على أنها قضية تاريخية عالمية مزمنة، فإنها ذات وجوه متشابكة متعددة ومتشعبة يصعب حصرها في جانب واحد، كما يصعب بعزل جانب عن الآخر. 

فلئن كان غوتيرش نبّه بوضع النساء في البلدان النامية المقطوعات عن الإنترنت، فقد فاته بأن نسبة كبيرة منهن في هذه البلدان أميات، وبالتالي فإن الحاجة إلى محو أميتهن ينبغي أن تسبق حاجتهن إلى الإنترنت.

كما لا يمكن عزل تلك الحقوق المتقدم ذكرها عن مجمل حقوقها الأخرى الصحية والاجتماعية والثقافية، ومنها حقوقها المدنية، بما في ذلك أن يكون لمنظماتها صوت في تشريعات الأحوال الشخصية التي كثيراً ما تُمنع أو يُنتزع ما تحقق منها من مكاسب تحت مبررات سياسية واجتماعية ودينية شتى. ولما كانت الثورات وحركات الإصلاح الاجتماعية العالمية المؤيدة لحقوق المرأة تمر بانتكاسات، أياً تكن أسبابها الموضوعية والذاتية، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على تراجع قضية المرأة وفقدان ما تحقق منها أيضاً. وثقافة الرجل تلعب هي الأخرى دورا مهما، إذا ما كانت مستنيرة تؤمن بحقوق المرأة ومساواتها حقاً بالرجل، أم هي على الضد من ذلك، سيما وأن ثمة فئة من الرجال في الممارسة العملية هم على النقيض من ثقافتهم التي تؤمن بحقوق المرأة الشاملة حيثما تعارضت مع مصالحهم الخاصة السياسية أو الاقتصادية. والأسوأ من ذلك إذا ما كان وعي المرأة بحقوقها أيضاً معدوماً، أو يمكن للرجل تزييفه بسهولة عندما تكون ثقافتها ملحقة به كزوجة أو ابنة أو أية قرابة ما مؤثرة، بل لا تتوانى عن مساعدته حركيا للانتقاص من حقوقها حيثما أمكنه تزييف وعيها بذرائع دينية غير مستنيرة، أو خلاف ذلك.

وصفوة القول: إن حل قضية المرأة من أعقد قضايا الإنسان المعاصر المقهور، سيما في البلدان التي يجري فيها استغلال المرأة والرجل على السواء، وهي أكثر تعقيداً في أوساط النساء اللواتي يقعن في أسفل الهرم الاجتماعي، وإن كانت ثمة مشتركات تجمع هموم نساء العالم على اختلاف طبقاتهن. 

ولئن اتفقنا مع الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش بأنه إذا ما سارت أوضاع المرأة على هذا المنوال من التراجع أو البطء الشديد فيما تحرزه من تقدم لنيل حقوقها فإن قضية مساواة الجنسين لن تتحقق حتى بعد ثلاثة قرون، بمنظور ما حققته من نسبة ضئيلة لنيل حقوقها خلال قرن ونيف جرى الإجهاز على أكثرها كما ذكر غوتيرش، وإذ لا نذهب بالطبع بأن ثمة أيضا بين أيدينا معطيات حقيقية واقعية تبشر نساء العالم بأن حفيداتهن سيتمتعن بحياة "المدينة الفاضلة" تتحقق فيها كامل حقوقها بعد ثلاثة قرون، وهذا غير متوقع على الإطلاق، لأن إنجاز كامل حقوق المرأة يتطلب مرحلة تاريخية أطول، لكن من الصحيح على الأقل إذا ما آمنا بحتمية أن حركة التاريخ تسير إجمالاً إلى الأمام، أياً تكن الانتكاسات التي تتعرض لها، فإن أوضاع المرأة بعد 300 عام لن تكون بأي حال من الأحوال بفرضية الحالة التشاؤمية بعيدة المدى التي رسمها غوتيرش كما هي مزرية الآن في مرحلتنا التاريخية العالمية المعاصرة، وإن كان ذلك يتطلب بطبيعة الحال مقدماً أن تتوحد جهود الحركات النسائية في العالم من أجل إنجاز حقوقهن المشتركة، وألا ينفصل ذلك عن جهود الرجال الساعين لتحقيق التقدم الاجتماعي الشامل سواء على الصعيد القُطري، أم على الصعيد العالمي.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية