العدد 5224
الخميس 02 فبراير 2023
banner
هل يعتبر الدَّين العام صفارة إنذار.. عندما يتعدى الناتج المحلي؟
الخميس 02 فبراير 2023

كما يعلم الجميع وخصوصا المهتمين بالاقتصاد دور وأهمية الاقتصاد في مسيرة الدول ونموها وانتعاشها ورخاء شعوبها. وما هو أهم من ذلك هو حسن إدارة الملف الاقتصادي، مما يجعل إدارة هذا الملف من أولويات جميع دول العالم دون استثناء. وتجدر الإشارة هنا بأنه على مر العصور تمت تجربة أنظمة اقتصادية مختلفة. ففي فترة المئة سنة الماضية، كانت بعض الدول تتبع أنظمة مثل النظام الرأسمالي أو كما يسمى كذلك بالاقتصاد الحر، في حين اتبعت دول أخرى النظام الاشتراكي أو ما يشار إليه في بعض الأحيان بالنظام الشيوعي. الفارق بين النظامين ببساطة هو أن المحرك الرئيسي للاقتصاد الحر هو القطاع الخاص. أما في النظام الاشتراكي، فإن الدولة فيه تعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد. 
وبعد تجربة الدول لهذين النظامين اتضح بأن كليهما لا يلبيان كافة متطلبات الدول في النمو والازدهار ولا يكفلان لشعوبهما الحياة الكريمة. كما أدركت الدول بأنها لن تسطيع تحمل كامل العبء لوحدها إذا ما أرادت تلبية تطلعات شعوبها، فتولد نظام ثالث وهو متمثل في المشاركة بين القطاعين الحكومي والخاص. وكما نعلم كذلك، فإن دول العالم بأنظمتها الاقتصادية المختلفة تعتمد فيما بينها على التجارة، وذلك لا يقتصر على السلع بل يتعداها ليشمل الخدمات أيضا.
وقبل أن أتحدث عن المشاركة بين القطاع العام أي الحكومي والقطاع الخاص بودي أن أسلط الضوء قليلا على تفاصيل النظام الاشتراكي والذي طبقته عدد من الدول حول العالم، حيث إن الدولة بتبنيها لهذا النظام، فإنها تدير النشاط الاقتصادي بشكل شبه كامل. وقد اتضح مع الوقت بأن الدولة غير قادرة على ذلك. ومن أهم إفرازات النظام الاشتراكي هو خلق اقتصاد مصطنع بالنسبة للأسعار والتضخم والبطالة وسعر صرف العملة والعديد من الأمور الاقتصادية الأخرى. ومع نهايات القرن العشرين برهن هذا النظام على فشله إلى أن وصل إلى انهياره، حينها شرعت الدول المطبقة للنظام الاشتراكي بالتحول إلى النظام الرأسمالي أو نظام الشراكة بين القطاع العام والخاص، إما بالتحول السريع أو التدريجي، فأصبح نظام المشاركة بين العام والخاص هو السائد في عدد كبير من الدول.
أما بالنسبة لمملكة البحرين، فإن الدولة قامت على نظام المشاركة بين القطاعين العام والخاص منذ فترة طويلة، وذلك في ظل اهتمام ورعاية القيادة الرشيدة والمتعاقبة وصولا لهذا العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، حيث أخذت الدولة على عاتقها مسؤولية الاستثمار في مشاريع البنية التحتية للدولة مثل الكهرباء والماء وبناء الطرق والمدارس والمستشفيات والكثير غيرها من مشاريع البنى التحتية. ومن ناحية أخرى شجعت على إنشاء الشركات الصغيرة والكبيرة والمقفلة وشركات المساهمة العامة وفي مختلف الأنشطة والقطاعات. 
جدير بالذكر بأن هذا التشجيع والدعم لم يأتِ فقط من خلال المبادرات لتأسيس هذه الشركات بل أتى كذلك عن طريق وضع وإصدار القوانين المنظمة لذلك وتحديثها بين فترة وأخرى. حيث إن أهمية هذه القوانين واللوائح تكمن في حفظ حقوق جميع الأطراف وهذا يمثل التوجه العام في كثيرا من دول العالم.
ما أريد أن أتطرق إليه هنا هو ما يحدث في الكثير من دول العالم، وهو العمل على رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي مما يعطي الفرصة لهذا القطاع للقيام بدور أكبر والمساعدة في تخفيف العبء على القطاع العام في ظل العديد من المتغيرات والتحديات التي تواجهها الدولة. وما أريد إيضاحه هنا هو بأن القطاع الخاص في هذه الدول بمعناه الواسع يشمل القطاع الخاص من داخل الدولة وخارجها، بالإضافة لجلب الاستثمار الأجنبي من دول من دول الخليج العربي والدول الصديقة. أضف إلى ذلك بأن صندوق النقد الدولي يولي أهمية لنمو نسبة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، بل ويجعله من أوليات برامج إعادة هيكلة الاقتصاد في الدول التي تواجه تحديات في إدارة اقتصادها. 
وأعتقد بأن هذه التجربة المتمثلة بإعطاء الفرصة للقطاع الخاص؛ للقيام بدور أكبر في النشاط الاقتصادي جديرة بالدراسة والاهتمام والتطبيق في مملكة البحرين. بالرغم من عدم علمي بحجم مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي الكلي في الوقت الحاضر، ولكن ما أنا على يقين به هو أن هذا التوجه بمنح هذا القطاع دورا متزايدا قد أثبت كفاءته في الكثير من دول العالم وساعد في تخفيف أعباء الدولة. وبحسب ما هو متداول في هذه الأيام حول ضريبة قد تفرض على الشركات العاملة في البحرين والذي قد يسهم بتخفيف الأعباء عن الدولة، وقد يتسبب كذلك في تراجع الاستثمار، فإن النظر في دراسة فكرة زيادة دور ومساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي ووضع برنامج زمني لتنفيذه قد يساعد بشكل أكبر، حيث إن الفرق بين فرض ضريبة على الشركات بعد خصم المصروفات التشغيلية لنظام ضريبة الشركات قد يشهد تقلبات بين عام وآخر بحسب أداء الشركات العاملة، وكان ذلك جليا في سنوات الكورونا. إلا أنه عندما تنقل الدولة بعض الأنشطة الاقتصادية إلى القطاع الخاص، فإن العبء على الدولة قد يتلاشى. وهنالك مؤشرات إيجابية كثيرة في اقتصاد مملكة البحرين بفضل المتابعة والرعاية التي يوليها صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، وفريق البحرين المعنيين بالاقتصاد والشؤون المالية خصوصا المتابعة الحثيثة لبرامج التعافي الاقتصادي والتوازن المالي. ولكن ما يدعو للقلق ويعتبر صفارة إنذار هو المستوى المرتفع للدين العام مقارنة بالناتج المحلي وارتفاع تكلفة تمويله بالأخص مع تزايد احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة في السنوات القادمة. وبالتالي فإن مثل هذه الأوضاع تستوجب مزيدا من التعاون بين كل من القطاع العام والخاص من خلال طرح أفكار جديدة ومبتكرة بين أطراف مثل وزارة المالية وغرفة التجارة أو أطراف أخرى معنية بهذا الأمر؛ للسيطرة على الدَّين العام وخفضه في أقرب فرصة ممكنة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .