+A
A-

جواد الأسدي.. لقد هوت شجرة المعرفة المسرحية وسقطت سقوطاً مدوياً

تنطلق يوم غد الثلاثاء 10 يناير فعاليات الدورة 13 من مهرجان المسرح العربي الذي تستضيفه الدار البيضاء بالمغرب بمسرح محمد السادس، بحضور كبير من الفنانين والنقاد والكتاب العرب، وقد تم اختيار الفنان العراقي الكبير جواد الاسدي لإلقاء كلمة اليوم العربي للمسرح في حفل الافتتاح، وهو عرف تسير عليه الهيئة العربية للمسرح كل عام، حيث يتم اختيار رمز مسرحي من كل دولة عربية لإلقاء الكلمة.
وفيما يلي تنشر " البلاد" جزء من كلمة الأسدي والتي جاءت بعنوان " عن أي مسرح وعن أي ثقافة سنتحدث؟:

صباح الخير غروتوفسكي، بيتر بروك، جوزيف شاينه، يوري ليبيموف، ايفروست.
صباح الخير على سنوات الحنين والجوع المر في بلاد الملاحم وعلماء الطبيعة ومن دقوا ورسخوا مسمار الكتابة ودونوا الأساطير وبصمة التنوير، والجمهور العريق المتدافع أمام شباك التذاكر في المسارح الحداثية كتابة وإخراجاً حتى هطول السخام في ذلك اليوم الأرعن. وانزياح الحياة الحرة والتأريخ الجمالي عن سكك حديد التنوير، وسقوط البلدان في عاصفة العدم وانسداد الأبواب المدنية وانطفاء جذوة الثقافة وتسييد جحيم الطوائف التي رسخت قواميس الجوع وكتابة الخراب والذل وسفك الدماء.
صباح الخير على ممثل دور هاملت في "لا نكون أو كيف سنكون"، عقلانيين، كينونيين، مدنيين، جماليين، معرفيين أم أميين؟ سلفيين، ماضويين، غيبيين، قدريين، معلقين في سماوات الحرائق والهجرة في بحار الغرق والموت على الحافات بحثاً عن بلدانٍ خاليةٍ من جحيم أدمناه منذ سنوات بعيدة؟
نكون؟ ومن سنكون، وكيف سنكون؟ محشورين على جبل الهاوية في عين قناصي الحرية يمضغون الرصاص والجمال الميت؟ أم في الشوارع المترمدة بالأبناء قديسي الحروب، والأمهات وهن يدبكن على خشبات المسارح الآيلة للسقوط، علهن يرقصن أرواح أولادهن من غيبوبة الأدوار التي لعبوها أمام الحشود في مهرجانات التقمص؟.
صباح الخير على الكتابة وأساطينها وهم ينزاحون في نصوصهم عن تدوين وابتكار شخصيات ماتت وتحولت إلى كليشيهات السوق الموارب.
صباح الخير على الإخراج والمخرجين وهم يطبخون شكسبير وجان جينيه وبيكيت ومارلو وبولغاكوف على نار بصرية مبتكرة هادئة في موقد ناري لين وطري، حيث يضاء العقل وتسمو الروح.
صباح الخير على الممثل، روح المسرح وسر أسراره، وهو يعيد كتابة صوته وجسده بكثافة تعبيرية وإشارية مبتكرة بعيدا عن متحف السوق ومجانية التمثيل السوقي، محلقاً بروح إنسانية رفيعة من اللعب الصاخب إلى معابد جلال أسئلة الروح الملتاعة الكبرى وحيرتها صعوداً إلى نهار دموع الأحزان.
لقد هوت شجرة المعرفة المسرحية وسقطت سقوطاً مدوياً، ليحل محلها ثقافة الغريزة والسعي للرفاهيات السياحية، وبروبوغاندا سياحية ضخمة، بيوت، سواحل، سيارات، بنوك بتقنيات عالية، وانهيار مدوِ ثقافي حيث لا أثر لوجود دار أوبرا ولا مسرح ولا مكتبات موسيقية أو غاليريات تشكيلية في شوارع المجتمع المدني.
لقد تم إدارة عنق اللذة والمتعة نحو المعدة وليس الرأس المشتعل بالفنون، حيث يتسابق الناس، كما في الكثير من الدول الأوروبية لحضور أوبرا كارمن مثلاً، أو أحدب نوتردام.

ها هو الممثل الكوني، يجر وراءه شعوباً من الكورونا وعربات النصوص ونبوغ الممثلات والممثلين، المخرجين والسينوغرافيين، وكشافات ضوئية وملابس وجمهوراً حاشداً عتيداً، الآن أراه متفحماً وسط عاصفة التصفيق المر أمام دار الأوبرا قرب البرج الذري، يجالس الشعاع النووي، بينما يتمرن ماكبث على الفوطبول، يلاعب لحية دستويوفسكي، ويحلق رأس مال كارل ماركس، يطري سخط بولغاكوف، هناك وهنا، تمددت الحشود على ألوان من كمامات، تستغيث بالفايزر والسبوتنيك، ها هم، وها نحن نتمرغ تحت درجات حرارة جحيمية، الناس فيها يتوسلون ولو دقيقة كهرباء يمكن أن تنعش اختناقاتهم، أو ربطة خبز لمطابخهم.

هل من شمس تشعل العالم برقصة كونية وبشرٍ كونيين، شغوفين ومغرمين بالمسرح، ملاذنا العظيم.
هذا وستغطي " البلاد " كافة فعاليات هذا التجمع المسرحي الكبير على مدى سبعة أيام.