العدد 5196
الخميس 05 يناير 2023
banner
حكمة الراحل يوسف وهبي
الخميس 05 يناير 2023

يقول الفنان الراحل الكبير يوسف وهبي في مذكراته: “عندما كُنت أمضي إجازة العام الماضي في أوروبا، زرت لندن، واستأجرت شقة مفروشة لإقامتي، وما إن وضعت حقائبي فيها، حتى زارني مستأجر الشقة العليا، وسألني عن مواعيد نومي، ويقظتي.. دُهشت في بداية الأمر، لكنني - بعد أن عرفت السبب - أيقنت أن نجاح الإنجليز في حياتهم الاجتماعية، يعود بلا ريب لمعرفة كل فرد منهم ما له وما عليه.
لقد كان سبب الزيارة والسؤال، أن جاري يرغب في تنظيم مواعيد لعب أطفاله بالحديقة، بحيث لا تقع في أوقات نومي فتضايقني، وهذه الحادثة تتمثل في ذهني كلما وقع بصري على أوجه الفوضى في حياتنا عموماً. إن نجاح الدولة من نجاح الفرد، ونجاح الفرد يتوقف على طريقة احترامه حقوق الغير. انتهى.
استوقفتني كلمة وهبي هذه كثيراً، وأنا أستذكر مقالات سابقة كتبتها أنا وغيري من الصحافيين، عن حالة الفوضى التي تشهدها بعض المناطق السكنية، القديمة والجديدة، حين يرغب أحد الجيران بإجراء أعمال توسعة في البيت، أو إصلاحات، أو بناء، فما إن ينوي ذلك، حتى تتحول حياة الجيران إلى جحيم لا يطاق، فأصوات المطارق، والمناشير، وضوضاء أعمال البناء الأخرى، سرعان ما تتسلل بوحشية إلى غرف بيوت الجيران (كلها) منذ الساعة السادسة صباحاً، وربما قبل ذلك، بلا أدنى رحمة، وفي أيام عمل ضوضائية، تطال حتى أيام إجازات نهايات الأسبوع.
ما هو حال الجيران؟ وما حال أطفالهم وكبار السن أو المتقاعدين؟ أو المرضى؟ كل ذلك لا يهم، فالمهم هنا هو إنجاز المصلحة الفردية، وإتمامها على أكمل وجه وسرعة، دون وضع أي اعتبار آخر، وفق مبدأ “مش اللعب”. جيران آخرون، يحول أبناؤهم شوارع الحي إلى ملاعب كرة قدم، وسلة، وصراخ، وعويل غير مبرر، وكأنهم في ساحات مصارعة يابانية شرسة، كرة قدم ترتطم بزجاج سيارة الجار، أو باب كراجه، أو شباك غرفة نومه، كل ذلك لا يهم، ولا قيمة له، فالمهم راحة الأولاد، واستمتاعهم.
التغيير كما قال الراحل وهبي يبدأ بالفرد نفسه، وبمسؤولية تشاركية مع الدولة، وإلا فإن الحال سيكون أقرب لفرض شريعة الغاب بالقوة، وهو ما يحدث في بعض الأحيان، أو غالباً، تحت مرأى ومسمع الجميع.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية