العدد 5118
الأربعاء 19 أكتوبر 2022
banner
عن واشنطن وحلفائها الشرق أوسطيين
الأربعاء 19 أكتوبر 2022

هل يتوجب على إدارة الرئيس جوزيف بايدن إعادة تقييم علاقاتها بحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وإن كان ذلك كذلك فأي تقييم مطلوب؟ لا يمكن تقديم إجابة شافية وافية، من غير الرجوع إلى النصف الأول من القرن العشرين، حيث كانت الولايات المتحدة الأميركية متوارية وراء محيطين، وجل علاقاتها بالعالم العربي، لا تتجاوز الإرساليات الدينية التعليمية والصحية، على أن دخول أميركا الحرب العالمية الثانية، غير الأوضاع وبدل الطباع، وباتت واشنطن قريبة من الشرق أوسطيين بصورة واضحة. 
أهم ما ميز العلاقات الشرق أوسطية والخليجية مع أميركا الامبراطورية الوليدة، هو أنها لم تكن يوما وحتى تلك الأوقات، قوة احتلال عسكري، كما الحال مع بريطانيا أو فرنسا، وغيرهما من الدول الأوروبية، ولعل المؤرخين يذكرون أنه حين بدأت ثورات التحرر في المنطقة العربية، في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، كان أهم ما يشغل بال أية إدارة أميركية، أن لا يكون الثوار الجدد من المنتمين إلى الشيوعية، خوفا من أن يقع الشرق الأوسط في براثن الرايات الحمر.
اهتمت أميركا كثيرا بالشرق الأوسط، وأنشأت تحالفات تاريخية مع بعض دول المنطقة، لاسيما المملكة العربية السعودية، حيث كان النفط سائل الحضارة الواعد، ولم تخلف الرياض في تعهداتها، وساندت واشنطن بطرق تحفظها أضابير التاريخ، في أوقات السلم والحرب، ولعله من نافلة القول، أن السعودية لعبت دورا مهما للغاية في زمن الحرب الباردة، ووقفت سدا وحدا في مواجهة أطماع الدب الروسي في التوجه إلى المياه الدافئة، وتحقيق حلم بطرس الأكبر وكاترينا العظيمة.
ترك الخلاف العربي – الإسرائيلي تأثيرا واضحا على تلك العلاقة، وكان النفط سلاح العرب في حرب أكتوبر 1973، أي منذ قرابة نصف قرن، وذلك قبل أن تبدأ علائم السلام ترفرف على المنطقة، بدءا من كامب ديفيد، والاتفاقية التي أنهت حالة الحرب مع مصر، وصولا إلى الاتفاقات الإبراهيمية، والتي فتحت باب التعايش الإنساني، وقد كانت واشنطن حاضرة وحاضنة ما بين العهدين. غير أن سحابة سوداء خيمت على تلك العلاقات الشرق أوسطية الأميركية مرتين منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، المرة الأولى حين أضحت أميركا ولأول مرة في تاريخها المعاصر، قوة احتلال لدولة عربية، وكان ذلك في 2003 في العراق.
فيما المرة الثانية، من خلال تشجيع تيارات الإسلام السياسي، في الوصول إلى مقاعد الحكم، وذلك عبر ما أطلق عليه زمن "الربيع العربي"، مع القطع بأنه لم يكن ربيعا ولا عربيا بحال من الأحوال.
تجاوزت دول المنطقة بأثمان غالية تلك الفترة، لكن لا تبدو واشنطن وخاصة في زمن إدارة الرئيس بايدن، قادرة على قراءة أبعاد المشهد الشرق أوسطي بعين الولاء والوفاء لحلفائها. 
لا تعني الصداقة الأميركية – العربية، وضع المصالح الاستراتيجية لدول المنطقة في قائمة القائمة، لاسيما أن أهداف أميركا في سيادة وريادة العالم لا تخفى عن أحد.
عليه فإن أفضل طريق يمكن واشنطن من الحفاظ على حلفائها، هو النظر من خلال نظارة معظمة، تميل إلى تفعيل البراجماتية المستنيرة إن جاز التعبير، بمعنى أن تعمل وأن تدع الآخرين يعملون ويمرون.
فكرة الفوقية الأميركية في التعامل مع الحلفاء، والركون إلى مذهب "ذهب المعز وسيفه"، تجاوزها الزمن، ففي أوان العولمة لم يعد العالم أميركا بامتياز، كما لم تعد واشنطن سيدة قيصر التي لا تخطئ.
هل تعاود واشنطن تقييم علاقاتها مع حلفائها من منظور إيجابي؟.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية