العدد 5055
الأربعاء 17 أغسطس 2022
banner
حرب الجارين (2)
الأربعاء 17 أغسطس 2022

في المقال السابق تحدثنا عن المفاهيم العامة في الشأن العراقي، رغم أنني أراه شأنا عربيا إقليميا دوليا حسب المؤثرات والارتدادات الإقليمية والدولية، لما للعراق من أهمية اقتصادية وجيوسياسية، وأيضا تاريخية، حيث إن الساحل الشرقي للجغرافيا العربية الفارسية أثر على استقرار المنطقة العربية عبر التاريخ، وعانت المنطقة من سقوط هذا الساحل بيد الفرس منذ أكثر من خمسمئة وتسعة وثلاثين عاما قبل الميلاد عندما احتلت دولة بابل، ثم بعدها بمئة عام أسقطت دولة الحضر في العراق الواقعة جنوب مدينة الموصل بمئة كيلومتر، حيث كانت النزعة والرغبة الفارسية بالسيطرة على جميع الساحل الغربي وما هو ملاصق له من امتداد الساحل الجغرافي، وبقي هذا النزاع حيث توالى شاهات بلاد فارس مثل كوروش وهرمز وسابور الأول وسابور ذي الأكتاف، مرورا بالصراع بين الدولة الأموية وبلاد فارس، والذي امتد أكثر من مئة وثلاثين عاما، ثم الحرب والصراع في فترة حكم الدولة العباسية لأكثر من خمسمئة عام، والدولة العثمانية لأكثر من ستمئة عام، وصولا للاتفاق الأخير بين العثمانيين والفرس الذي سمي باتفاق أرض روم، وبموجبه ذهبت عربستان العربية ضمن حدود بلاد فارس سنة ١٨٨٦م، وثبتت على خرائط سايكس بيكو كما أتى بذلك الاتفاق المعروف للأسف.
وكانت كل تلك الأزمات والصراعات تؤجل وترحل دون حلول جذرية إلى أن وصلنا لحرب ٢٠٠٣م، والتي انتظرتها الدولة الإيرانية للثأر التاريخي من معركة ذي قار والقادسية الأولى والقادسية الثانية كما سميت، وأصبحت إيران صاحبة الكلمة العليا في العراق حسب كلام معظم المراقبين والعراقيين أنفسهم الذين شكوا من نفوذ إيران داخل العراق، بينما للموالين لإيران رأي آخر تجاه ذلك النفوذ، حيث يقولون إن وجود إيران إيجابي داخل العراق، ما أدى لصدام اليوم الذي أصبح معلنا في شوارع بغداد وبعض محافظات العراق، والجنوبية منها خصوصا، لكن لأول مرة في تاريخ الدولة العراقية يخرج أحد المكونات العراقية على نفسه بشرخ واضح في هذا المكون الذي أدى إلى اعتصام طرفي الصراع في شوارع بغداد والمحافظات الجنوبية، ومن الواضح أن أحد الأطراف يطالب بإصلاح المنظومة الحاكمة والقضاء على المحاصصة الطائفية والعرقية التي تكونت منذ 2005م بعد كتابة الدستور الجديد في ظل الاحتلال الأميركي، وأيضا للحد من نفوذ إيران حسب وجهة نظر الأغلبية العراقية من كل المكونات التي تتهم إيران بدعم بعض السياسيين الفاسدين. وسنكمل في الجزء الثالث قراءة عن “ماذا بعد هذه المظاهرات”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .