+A
A-

السينما الإفريقية.. مفاهيم جمالية وتصوير دقيق ومحدد لكل مشهد من الحياة

ذات يوم، قال المخرج والروائي السينغالي الكبير عثمان سامبين:

"ليس هناك معنى لأن يحدد "روسبولي" أو غيره اتجاهاً واحداً من اتجاهات السينما للدول النامية، ليس هناك معنى لأن يجعل من نفسه وصياً علينا، ويختار لنا سينما الحقيقة أو غيرها. المعنى الوحيد لذلك أنه مؤذن بلا جامع. إنني لا أرى ما يمنع أن تخرج الأفلام من كل الاتجاهات، بل وأن تصنع اتجاهات جديدة. إنني أقول لروسبولي وأمثاله: أيها الأوروبيون كُفُّوا عن الاختيار لنا، وسوف نصنع أفلامنا بأنفسنا وبكل قوة".

لم يكن المخرج عثمان سامبين هو أول من وقف وراء الكاميرا في إفريقيا السوداء، ولكنه بلا شك أول من صنع فيلماً إفريقياً روائياً طويلاً وأول من أثبت الوجود الإفريقي في السينما.

عموماً..

تسير السينما الإفريقية على ركائز صحيحة وعلمية ويبدو من الواضح أنها تربعت على عرش الأفلام التي تعرضها منصة "نتفليكس" ورغم معرفتي بالسينما الإفريقية ومخرجوها كالمخرج النيجيري "عمر جاندا"، والمخرج الغاني "سام آريتي"، وغيرهم، إلا أنني قد لاحظت خلال السنوات الأخيرة أن الأفلام التي يقدمها أبناء الجيل الجديد كالمخرج والكاتب النيجيري" شيوتيل إيفوتور" صاحب الفيلم الجميل "الصبي الذي سخر الريح" والمخرج النيجيري "كانلي أوفلايان" منتج ومخرج فيلم "1 أكتوبر"، والمخرج الناميبي "فلوريان شوت" صاحب فيلم "كاتو تورا" وغيرها، كلها أفلام تجمع بين التوظيف السياسي والترفيه، بين الموقف التحليلي والنهج الشعبي، ويظهر فيها تصوير تاريخي واجتماعي دقيق ومحدد لكل مشهد من الحياة، كما يظهر فيها السرد الحيوي المرح، وحتى أحياناً السرد العنيف السريع التأثير. وابتعدت كثيراً عن المشكلة التي كانت الأكثر شيوعاً في السينما الإفريقية في فترة الستينات والسبعينات وهي مشكلة التناقض الذي يحياه المثقف الإفريقي الذي درس في أوروبا، ثم عاد إلى بلاده ليعيش بين عالم إفريقيا المتخلف.

المخرجون الأفارقة الجدد اتجهوا في كل أفلامهم إلى موضوع حياة بلادهم وحياة الشعب الذي أصبح سيد مصيره، وهم بذلك يؤسسون سينما ذات جوهر شعبي أصبح لها حضور مرموق في عدة مهرجانات دولية، فخلال الفترة من 2011 – 2016 حصلت ستة أفلام إفريقية من أصل اثنين وعشرين فيلماً وقع عليها الاختيار على جوائز عالمية، والقاسم المشترك للغالبية العظمى لهذه الأفلام هو الحضور الدائم للالتزام العميق بالماضي والافتخار بالحاضر.

والواقع إننا لو قمنا بتحليل التجارب السينمائية الإفريقية الجديدة، فسوف نكتشف مفاهيم جمالية تحفز على التفكير بنشاط إيجابي فيما نراه، مشاهد تبلغ قمة في البراعة الحرفية ولقطات شديدة الذكاء لوجوه الممثلين. ففي فيلم "الولد الذي سخر الريح" أبدع المخرج شيوتيل إيفوتور، في قطع مشهد صنع الصبي "كامكوامبا" للسهم مع كلبه بطريقته الفذة التي استخدمها في الفيلم كله، بين الهرج الذي يسود القرية، وبين مكان آخر في المدرسة، ومن الممكن تأليف كتاب كامل عن مغزى هذا المشهد وغيره من المشاهد.

إبداع سينمائي يلتقط زاده من القرى الفقيرة، وقواعد تضيف على النمو الزمني للفيلم طابع الاستمرار والتدفق، ولغة سينمائية تؤثر فينا وتأخذنا إلى عوالم أخرى متعددة تصب في النهاية في شكل لوحات.