العدد 5033
الثلاثاء 26 يوليو 2022
banner
اتخذوا من القلم هزوا ولعبا
الثلاثاء 26 يوليو 2022

كان عباس محمود العقاد يرى أن أخطر ما يهدد مسيرة المجتمعات، أن يترك عالم الكتابة والكتاب مرتعا خصبا لكل متهافت، فبرزت في كتاباته الثورة لتطهير المجالات المؤثرة في تكوين الإنسان من أدب وصحافة وإعلام من العناصر الدخيلة، وقال “لعل عالم الكتابة عندنا أحوج إلى التطهير من كل بيئة نودي اليوم بوجوب التطهير فيها”، لأن التطهير في الكتابة عند العقاد دليل صدق الكاتب ويقظة القارئ، وشهادة حسنة للأفكار والأخلاق بين من يكتبون ومن يقرأون.
لقد أصبحت الألقاب اليوم، كسوق ضخم بدون حماية جمركية، فكل من هب ودب أصبح شاعرا، وكلما خطرت فكرة في باله نشرها في كتاب أو صحيفة، وآخر كلما كتب أشعارا غرامية تصور نفسه قيس ابن الملوح، وهناك نفر يعتقد أنه أصبح قصاصا بمجرد كتابته حادثة ما ونشرها في بريد القراء، وهناك من يحاول فتح نوافذ وأبواب الصحافة عنوة ليقال عنه إنه صحافي وإعلامي، مع أنه بعيد عن التخصص ومعايير الصحافة لا تنطبق عليه، وكل من قرأ كتابا أو مجموعات قصصية أطلق على نفسه “ناقدا”، في حين أن من شروط الناقد الثقافة الواسعة، والممارسة، والذوق المرهف، والموازنة بين النصوص والحكم عليها.
في السابق “ابتلشنا” بالسلع الميسرة للجميع، “حقوقي.. ناشط اجتماعي”، وغيرها من الألقاب، فالكل يريد أن يحتل مكانا بالمفاهيم الدارجة المألوفة ويشكل صورته على هواه، ويكون الأبعد مدى في الإثارة، واليوم زحفت المظاهر والألقاب إلى عالم الأدب والفكر، واتخذوا من القلم هزوا ولعبا، ونسوا أن الأدب الحقيقي أو الإنتاج بالمعنى الأدق نور حيث لا نور، وحصيلة خبرة طويلة تصعد بصاحبها تدريجيا إلى قمم الإبداع، لا وقفة متفرجة في وليمة والحياة والضحك بعذوبة واختيار ما نشاء من الألقاب والمسميات.
الأدب الحقيقي والإعلام الحقيقي، يبقى من المحرمات التي لا يجوز لأي أحد كان الاقتراب منها، لأن ذلك من أفدح الذنوب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية