+A
A-

أستاذ الفقه المقارن عبدالستار الهيتي:

قال أستاذ الفقه المقارن والقضايا الفقهية المعاصرة عبدالستار الهيتي: أشارت آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية إلى أهمية مبادرة الإنسان إلى البر والتقوى من منطلق الآية الكريمة “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”، حيث يتضح من المفاهيم الإسلامية لعموم المسلمين أهمية المبادرة على العمل الخيري، ومنه التبرع بأعضاء الجسد ومساعدة الآخرين من البشر، وذلك للاستمرار في الحياة للإنسان بعد معاناة المرض ومد يد العون والمساعدة للتغلب على الأوجاع المزمنة التي تؤثر على حياة الفرد، ومن خلال الآية “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، والأحاديث النبوية منها “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، والحديث الآخر عن الرسول (ص) “المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه”، ومن خلال هذه الأحاديث يتضح للعيان أهمية التعاون على عمل الخير ومساعدة الآخرين ومنها المبادرة على نقل الأعضاء الجسدية للمرضى المحتاجين إلى عمليات نقل أو زراعة أعضاء للبقاء على قيد الحياة، حيث إن “الإنسانية كلها جسد واحد” وهو الجانب الذي ركزت عليه السنة النبوية.
وأضاف الهيتي أن ثقافة التبرع بالأعضاء تعتبر جديدة على المجتمع، وقد يكون هناك حرج لدى البعض بسبب البعد الاجتماعي أو قلة في المفاهيم التخصصية جراء ضعف الإمكانات المهنية لهذا الجانب، حيث نحتاج اليوم إلى طرح مبادرات ومشروعات تثقيف المجتمع لحثهم إلى التبرع الذي يعتبر من أعلى سمات ودرجات الكرم الإنساني بين الناس، كما تعتبر ثقافة التبرع لإنقاذ الأرواح من أعلى درجات العمل الخيري لبث الفرح والسرور للمرضى المحتاجين للأعضاء لأجل استمرار عجلة الحياة من خلال زراعة الأعضاء لهم، مضيفا أن التبرع من جسد شخص متوفى إلى شخص آخر على قيد الحياة بحاجة إلى عضو يعتبر عملا خيريا وفيه أجر كبير للمتوفى وفائدة عامة على الجانب الإنساني، حيث البعد الإنساني لاستمرار حياة البشر بغض النظر في المعتقدات الدينية يعتبر من الأمور الواجبة بحسب رأي فقهاء الشريعة والعلوم الدينية المسلمين، كما حدد القرآن الكريم مفهوم الصدقة الجارية ومد يد جسور التعاون والعون للآخرين، من منطلق تفريج كرب وهموم الناس من باب التعاون على البر والتقوى، حيث استند فقهاء المسلمين إلى المعنى القرآني في معاونة الناس من منطلق أنواع الصدقة الجارية التي تساهم في إمداد الحياة، حيث من يتبرع يساهم في بناء الحياة لاستمرار الذرية بين بني البشر.
وتابع الهيتي: الصدقة الجارية من خلال التبرع بالأعضاء تساهم في تخفيف أعباء الحياة لمن يعاني من الأمراض وبحاجة لعضو جسدي تعرض للتلف مثل الكلى أو الكبد وغيرها من بقية الأعضاء الجسدية، ما يخفف على المحتاج من العمليات وأعباء تناول العقاقير إضافة للتخفيف من الأعباء المادية على الإنسان وعلى مؤسسات الدولة، حيث تؤكد بعض آيات القرآن الكريم أهمية الإحسان والإيثار والتكافل الاجتماعي بين بني البشر بغض النظر إلى الانتماء الديني، وهناك آراء فقهية وأحكام شرعية بعضها تبين أنه ربما يكون من الواجب على المستطيع التبرع من بدن إلى آخر، وهو الأمر الجائز للإنسان، أي التبرع بالأعضاء، وهذا الأمر متفق عليه بين فقهاء الشريعة في أصل البعد الإنساني لكي تتجدد حياة الإنسان.
وأوضح الهيتي حرمة التبرع بالأعضاء التناسلية بسبب اختلاط الأنساب، كما تعتبر عملية نقل الأعضاء من الإنسان إلى الحيوانات محرمة بحسب رأي بعض الفقهاء، لأن ذلك يتنافى مع تكريم الإنسان، ولكن رأي آخر للفقهاء لا يمانع ولا يحرم أخذ بعض الأعضاء من الحيوان وزراعتها للإنسان إذا كانت الحاجة الضرورية لاستمرار حياة الإنسان، مؤكدا في ذات الوقت حرمة بيع أعضاء الإنسان حتى لا يكون هناك استغلال للفقراء والمحتاجين، حيث حرم الدين الإسلامي البيع والشراء للأعضاء، فيما لم يحرم الإسلام تكريم المتبرع من باب الكرم والتكريم، مضيفا أن من الجائز شرعا للورثة التبرع بأعضاء الشخص المتوفى بنية الصدقة الجارية، حيث يحتسب لذوي الشخص المتوفى الأجر للجميع.
وفيما يتعلق بمجهولي الهوية عند وفاتهم، قال الهيتي: يجوز للمؤسسات الصحية والدولة والحاكم السلطان في حال احتياج الأعضاء البشرية التبرع بأعضاء هؤلاء المجهولين باعتبار أن السلطان ولي أمر من لا ولي أمر له، وذلك بهدف الانتفاع من الكرم لبث الحياة في الروح البشرية، ومساندة المؤسسات الصحية ومنظمات المجتمع المدني من خدمات النفع العام التي ينبغي الاهتمام لها من خلال نشر ثقافة التبرع بأعضاء الإنسان، حيث هناك مسائل تحتاج للبحث والرأي الفقهي وتأكيد أهمية التبرع بالأعضاء كصدقة جارية، لأن بعض المسائل لم يشر لها بشكل مباشر في القرآن الكريم والسنة النبوية.