العدد 4959
الجمعة 13 مايو 2022
banner
وراء الدخان الكثيف والخانق قد نجد انتفاضة أدبية
الجمعة 13 مايو 2022

قد تكون فكرة بسيطة مثل الصفارة الثاقبة التي تنسل كمسمار عبر الغفلة الهادئة لأي أديب وكاتب تجعله يكتب قصة أو رواية تتسلق جبال النور إلى عالم الالتماع الأبدي، فالأستاذ الهادي “نیكوس کازانتزاكي” مدرس الفلسفة يمتد به الزمن سنة وراء أخرى وهو قابع وراء كتبه ودراساته ومحاضراته وعالمه المتزمت، وإذا به يستيقظ فجأة برؤية واضحة جديدة، فيجد الدنيا حوالیه باردة مملة وقد تجمدت حياته في ذلك الجو المقيت، لكنه لا يستطيع العودة إلى الماضي ولا أن يرجع شابا يستقبل الحياة من جديد، ويعرف جيدا أنه سائر إلى الموت، فيبدأ بكتابة تشخيص رجل يتمنى المؤلف أن يكونه إذا ما عاد به عمره إلي الوراء، وهكذا تنقلب الحسرة إلى عمل أدبي متكامل.
ويأتي “زوربا اليوناني” ليهز العالم بأقواله ويرى الأشياء يوميا للمرة الأولى ولیهزأ بالفلسفات جمیعا ويضحك على العقول التي صنعتها الكتب وزيفتها بعيدا عن الطبيعة البشرية الخلاقة الصافية، وانبهر العالم بتلك الأقوال وأصبحت تدور في أفكار الناس وتسيطر على بعض أعمالهم، وإذا بهم يتحدثون عن هذه الفلسفة الجديدة ويعجبون بهذا الرجل الذي يستطيع أن يقف وحده في خضم الحياة القاسية لا يحتاج إلى عون من إنسان أو تبرير عن فلسفة، ويذكرون بكثير من الجدل “بوبولينا” صاحبة الأساطيل الأربعة، وذلك الجد الأعمى الذي يبكي بمرارة لأنه لم يعد يستطيع أن يرى جمال الفتيات الصغيرات في القرية، وأولئك البسطاء في “كریت” الجزيرة التي أحالها “زوربا” إلى ضرب من الأحلام والأساطير.
ثم تتحول الرواية إلى عمل سينمائي ناجح يحقق الأوسكار عام 1963 على يد المخرج مايكل كاكويانيس، وتشتهر بشكل لا يمكن تخيله، وهكذا استطاع أستاذ الفلسفة أن يثأر لحياته وأن يقدم للبشرية عملا أدبيا خالدا، ولا ننسى تشالرز ديكنز الذي كتب روايته العظيمة “أوليفر توويست” وهو محاط بأبراج الفقر والعوز وقوانين التشرد، وهناك ديستوفيسكي، وبيرنديللو وغيرهم.
الخلاصة.. وراء الدخان الكثيف والخانق قد نجد انتفاضة أدبية ورؤى سعيدة وعملا فنيا يشبه الكنز.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .