العدد 4836
الإثنين 10 يناير 2022
banner
القاضية المسيحية!
الإثنين 10 يناير 2022

من الوقائع المثيرة، ما يُتناقل عن القاضية المسيحية “جوسلين متّى” في إحدى الدول العربية التي أصدرت حكمها المدني “الفريد من نوعه” على ثلاثة من الشبان المسلمين بعد اتهامهم بالإساءة للسيدة مريم العذراء (ع) على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، المثير في الأمر، أنّ هذه القاضية وبدلاً من تشديد العقوبة على الشبان الثلاثة ومحاكمتهم بتهمة ازدراء الأديان؛ قامت بإلزامهم بحفظ سورة من سور القرآن الكريم ألا وهي سورة “آل عمران” التي تعتبر ثاني أطول سور القرآن الكريم وردت فيها آيات تُمجّد السيدة العذراء (ع)، ولم تُطلق سراحهم لحين وقوفهم أمامها في المحكمة يتلون السورة غيباً!
تبقى نعوت التسامح والتعايش ضرورة حياتية، بل وحاجة حيوية ماسّة - طالما هناك ممارسات بشرية يسودها التّصارع والعنف والإقصاء والتهميش - من أجل امتصاص تداعيات الاحتكاك بين القوميات والثّقافات والأديان والخروج بها من دائرة المواجهة إلى أجواء الانسجام التي تتوقف فاعليّتها على حجم استجابة تلك الأوساط الاجتماعية والدينية واستنباتها قيّم الحوار والتفاهم والتراحم، وإنعاشها منابع التسامح الثقافية والاجتماعية والعلمية والفكرية والعقائدية والدينية على أرضية صلبة تتجنب ثقافة الموت والاحتراب التي تُكرّس مظاهر العداء والإقصاء وتنزع فتيل التوتر والاقتتال والتناحر. 
يأتي التسامح الديني واحداً من الضرورات التي ارتبطت بوجود المجاميع البشرية على وجه الأرض بعد تأكيد مجمل الشرائع السماوية طبيعتها المَدنية داخل أوساطها الاجتماعية التي يتشابك فيها الخير والشر، والحبّ والبغض، والأنا والآخر بما اقتضتها الفطرة الإنسانية وأقرت اختلافها وقبلت تنوّعها واحترمت فروقاتها وتميزّت في مُعطياتها النفسية والعقلية، وامتزج ماضيها بجديد حاضرها ورؤى مستقبله حتى تبادلت فيها المنافع والمصالح بمردود صلاحها ومودتها على الجميع.
نافلة: 
ما يبعث على الفخر في بلادي مملكة البحرين، هو ما يحظاه مجتمعها التعددي – كحقيقة حتمية - بعالي درجات التعايش الأهلي ورفيع مستويات التسامح الديني التي تسود جميع مكوناته منذ قرون طويلة، حيث لم يعد مستهجناً وجود مجاميع الطوائف والأديان تتراصّ مساجدها مع مآتمها في المدن والقرى، كما لم يكن غريباً أن تتجاور المذاهب والأقليات كنائسها مع معابدها في الأحياء والمناطق وسط أجواء تسودها روح التسامح واحترام الحريات والعيش المشترك والثقة المتبادلة في ظل سيادة النظم والقوانين التي أرست دعائم التحاور والتفاهم ونشر قيم الأخوة الإنسانية والتعايش الحضاري الفريد، كحال القاضية “جوسلين متّى” التي صيرّت القانون مدرسة لا سجناً بعد أنْ أعطت الصورة الواضحة لتسامح الإسلام وتكريمه السيدة العذراء (ع).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية