العدد 4774
الثلاثاء 09 نوفمبر 2021
banner
د.حورية الديري
د.حورية الديري
ليت ما مضى.. يعودُ
الثلاثاء 09 نوفمبر 2021

ليت ما مضى من الزمن يعود.. فكرة تراود الإنسان منذ الأزل، ويعيش في خيالها الكثيرون، هي أمنية يتمنى الإنسان تحقيقها، إذ يعيش حياته الواقعية معبأ بالكثير من الأحداث والمواقف والمشاعر، وتمر عليه الحقب الزمنية التي قد تجعله يتمنى عودة جزء من الزمن إلى الوراء ليغير أمرا أو يعيد موقفا، لذلك يتعرض بعض البشر لمشاعر الندم والتحسر على ما فاتهم، ويلفون أنفسهم بوشاح الذكرى، غير مهتمين بما يجري اليوم والشعور الآني، وهذا يذكرني بقول الشاعر قيس بن ذريح: “ألا ليت أيامًا مضين تعودُ... فإن عُدنَ يومًا إنني لسعيد”.
عزيزي القارئ، الكل يعلم أن الزمن إذا مضى لن يعود، وإن لم تسر مع الزمان، فهو قادر على أن يسير دونك، فمن اعتاد توجيه اللوم على الزمن في كل أمر صعب وإخفاق، فإنه غير مستعد لتلقي ما هو خير قادم في الزمان، فإذا كان لا يمكننا إعادة الزمن إلى الوراء بإمكاننا دائمًا أن نبدأ من جديد. سُئلت مرارًا عن الشيء الذي أرغب في تغييره لو يعود الزمن للوراء، وظننت أن الإجابة سهلة في بداية الأمر، لكنني بمجرد التفكير وجدت الكثير مما مضى من أشياء تمنيت عودتها لا لتغييرها فحسب بل لإغراقها بالمشاعر التي غالبًا ما نتردد نحن البشر في إظهارها بكامل حقيقتها.
رأيي المتواضع يقول إن ظهور هذا السؤال وغيره بخصوص العودة إلى الماضي ما هو إلا سؤال تقييمي صريح، الغرض منه توسيع الخبرة وتعميق التجربة، لذلك أرى أن ما يحدث لنا هو أمر طبيعي، فالإنسان الواعي غالبًا ما يستخدم خبراته في التقييم الشخصي لمختلف المواقف والأحداث التي تمر به، كما يقيم مختلف مراحل حياته، الفرق يكمن في الأدوات وطريقة الثواب والعقاب التي يتبعها الشخص ليكافئ نفسه أو يحاسبها. ذات مرة استوقفتني إحدى المقالات الصحافية أجابت من خلالها الكاتبة عن أمور ترغب بتغييرها لو يعود الزمن بها إلى الوراء! ولم أستغرب الأمنيات التي أشهقتها، لكنها جاءت بمثابة فسحة من التأمل التي نحتاجها لإعادة التفكير والتمعن في الكثير من أمور حياتنا، فجميع مواقفنا وتجاربنا مشتركة وإن تغيرت باختلاف الزمن والظروف والمتغيرات.. والخلاصة من ذلك كله، هي تأكيد أحقيتنا في الارتباط بالزمن الماضي لأنه الدليل على أننا منه انطلقنا، وبفضله صرنا أبطالاً للقصص والتجارب الحياتية، والتي منها نستخلص ما نستطيع تقويمه وتعديله أو تغييره لكي نعيش اليوم وغدًا، لذا فإننا لا نحتاج عودة الزمن بل نُجَمله بأفضل ما نتمنى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .