العدد 4721
الجمعة 17 سبتمبر 2021
banner
طالبان... والأزمة الوجودية
الجمعة 17 سبتمبر 2021

يعتقد بعض المراقبين أن الولايات المتحدة الأميركية اكتشفت بعد نحو عقدين من الزمن أنها تقوم بدور الشرطي الذي يحمي خصومها في آسيا، وتحديداً مصالح الصين وروسيا وإيران من خلال احتواء خطر حركة طالبان الأفغانية على نفقة دافعي الضرائب الأميركيين، لذا يرى هؤلاء أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان كان يستهدف استخدام الحركة في الضغط على بكين وطهران وموسكو، لكن الواقع يبدو مغايرا لهذه الفرضيات تماماً، لأن هناك إشارات تصالح واضحة بين طالبان وكل من الصين وروسيا، فضلاً عن أن قنوات الاتصال والتواصل بين إيران والحركة تبدو قائمة ومستمرة، حيث يلاحظ أن الحركة دعت بعض الدول لحضور مراسم الاحتفاء بالحكومة الجديدة واقتصر الأمر على تركيا وإيران وباكستان والصين وروسيا وقطر، فالهدف الأميركي الخاص بوضع شوكة في خاصرة الصين وروسيا لن يتحقق على الأرجح، كما لن يفلح الخلاف الآيديولوجي بين نظامي طالبان وإيران في التسبب بمواجهة بينهما، ومع ذلك فإن مفاتيح الحصول على الشرعية والاعتراف الدولي لا تزال بيد واشنطن وحلفائها الغربيين، حيث يظل بقاء طالبان في السلطة مرهوناً بالحصول على المساعدات الدولية وإنقاذ الاقتصاد الأفغاني من انهيار حتمي في حال استمرار عزلة طالبان كما كان الحال في ولاية حكمها الأولى.

وتؤكد المؤشرات أن الإدارة الأميركية الحالية لا تثق كثيراً بحدوث تغييرات في نهج طالبان، حيث أكد الرئيس بايدن أنه لا يعتقد أن حركة “طالبان” تغيرت، وقال “أعتقد أنهم يمرون بأزمة وجودية بشأن ما إذا كانوا يريدون أن يعترف بهم المجتمع الدولي كحكومة شرعية”، واقترح بايدن أسلوبا للتعامل مع “طالبان” يتمثل بممارسة الضغط على الحركة اقتصادياً ودبلوماسياً ودولياً بهدف إجبارها على تغيير سلوكها، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تجهز خيار العقوبات والعزلة الدولية للتعامل مع حركة طالبان في حال لم تثبت الأخيرة تغيير سلوكها، لكن المعضلة أن تقارب طالبان مع خصوم الولايات المتحدة الاستراتيجيين كالصين وروسيا وإيران يحد من فاعلية سياسات العقوبات والعزلة التي يمكن أن تلجأ إليها واشنطن كأدوات للضغط على طالبان.

الانسحاب الأميركي من أفغانستان يعتبره بعض المتخصصين زلزالاً استراتيجياً له تداعيات لم تتضح معالمها بعد، ورغم أن التجارب السابقة والشواهد الحالية تقول إن الإشكالية ليست في قرار الانسحاب بقدر ما تتمحور حول “إخراج” هذا المشهد بالشكل الذي يحافظ على سمعة ومكانة الولايات المتحدة، فقد يكون من السابق لأوانه بالفعل بناء استنتاجات قاطعة حول تأثير ما حدث في مطار كابل على السياسة الخارجية الأميركية في المستقبل القريب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية