تحقيق "البلاد": آبار المياه الوهمية .. حملات دعائية محترفة لسرقة أموال المتبرعين
فساد بالدول الفقيرة بقيادة عصابات تنفذ مسارح تمثيلية لافتتاحها بمشاركة أطفال
البلوشي: النصابون يستغلون عاطفة الناس بعد فقد عزيز
مدير “كاف” الإنسانية: إضافة رابط البئر عبر خرائط “غوغل”
مصادر عديدة، رسمية وأهلية في مناطق واسعة من العالم العربي، ومنها دول الخليج، تتحدث وتحذر بين اللحين والآخر عن شبكات عصابية تستهدف أموال المتبرعين والتي تهدف لحفر آبار مياه لوجه الله، لذمة متوفى قريب لهم. فما أصل الحكاية؟
ظهرت في الآونة الأخيرة، موجه بناء عدد من آبار المياه كسقيا ماء لمتوفى بعينه، في البحرين وبقية الدول الخليجية الأخرى، وبأسعار زهيدة تتفاوت ما بين المئتين والخمسمئة دينار بحريني، تقودها مجموعات ضبابية الهوية، يكون لهم أحيانا أقارب أو معارف في دول الخليج (على سبيل المثال) مهمتهم كالتالي:
تصيد العوائل التي تفقد قريبا لها، ويبدأ السيناريو كما ورد لـ “البلاد” من عدد من المواطنين، بجمع المعلومات المبدئية عن ذوي المتوفى وعن إمكاناتهم المالية ومستواهم الاجتماعي، ثم يفتعل بعد ذلك افتعال مسببات التعارف سواء بالواتساب أو بالمسجد أو بالشارع، ومن ثم عرض حفر البئر والنصب على أموال المتبرعين.
مسارح تمثيلية
وفي أحاديث متواترة عديدة، تبين لمندوب الصحيفة بأن أغلب مقاطع الفيديو التي ترسل للمتبرعين والتي يظهر بها البئر بعد حفره، والناس في حال فرح من حوله، وعليه لوحة إعلانية تحمل اسم المتوفى، بأنها مجرد مسارح تمثيلية تعودت هذه الجماعات الجرائمية على إعدادها والترويج لها.
وبأنها في الغالب مكررة، حيث يعاد تصوير ذات الموقع مرات عديدة لعشرات المتبرعين، مع اختلاف واحد، وهو اللوحة الإعلانية التي تحمل اسم المتوفى والتي تتغير في كل مرة.
فساد الآبار
ومن المشاهدات الحية بهذا الشأن، أشار مصدر حقوقي يمني، قبل أسابيع قليلة لعدد من وسائل الإعلام المحلية عن وجود فساد كبير ترعاه الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات اللاجئين النازحين في مديريات الحديدة عن وجود مشاريع حفر آبار وهمية أقيمت على أنقاض قديمة وجافة في مديرية حيس.
وذكر المصدر عن وجود لوحات دعائية تشير إلى تنفيذ مؤسسة عطاء الرحمة للإيهام بأنه مشروع جديد، مبيناً بأن الهدف من اللوحة تم تعليقها؛ بهدف التصوير الدعائي، دون تقديم أي خدمة على أرض الواقع.
عاطفة الناس
حول هذا الموضوع، قال المتخصص في المشاريع الإغاثية خالد موسى البلوشي لـ “البلاد” بأن عمليات النصب والاحتيال في المشاريع الإغاثية عموما، ومشاريع الآبار خصوصا يقع فيها الكثير ممن يتعاطف بشكل مباشر دون التأكد من الجهة المنفذة في الدول النامية.
ويضيف البلوشي “حري بكل مؤسسة أو فرد القيام بزيارات ميدانية بشكل دوري للوقوف على المشاريع قبل وبعد تنفيذها والتأكد من ذلك، وهذا ما انتهجه والإخوة في عملنا الإغاثي، فلا يتم البدء في تسويق أي مشروع إلا بعد التأكد من الحاجة من المشروع وعدد المستفيدين منه، وتوثيق العمل قبل وأثناء التنفيذ بالإضافة إلى الزيارات الميداني لمواقع العمل؛ للنقل للمساهمين والرأي العام واقع الحاجة وتنفيذ المشاريع”.
ويزيد “إن أغلب الذي يقعون في عمليات النصب والاحتيال في مشاريع حفر الآبار هم ضحايا من يستغل عاطفة الناس تجاه الحالات الإنسانية أو من فقد عزيزا ويرغب في القيام بعمل خيري في ثوابه، ويتواجد مثل هؤلاء من ضعفاء النفوس والذمم في وسائل التواصل الاجتماعي الذين يوهمون الناس بأنهم يقومون بمشاريع في بلدنهم وبعد ذلك لا تجد لهم أثرا بعد استلامهم المبالغ”.
ويكمل البلوشي “وهنا دعوة لكل من يرغب في إقامة أي مشروع أن يتأكد من الجهة المعلنة للمشروع والاطلاع على الدراسة المعدة للمشروع والمنطقة التي سيتم التنفيذ بها، ثم الاطلاع على توثيق شامل للمشروع بعد تنفيذه؛ لأن هذه الطلبات من حقوقه كمتبرع ومن واجب هذه المؤسسات تزويده بذلك”.
ويردف “كما أنه حري بكافة المؤسسات القائمة على المشاريع ضرورة الوقوف على مواقع المشاريع قبل تنفيذها ونقل الأوضاع المنطقة والحاجة لبئر الماء ثم البدء في تنفيذ المشروع وتوثيق التنفيذ وإرساله عبر وسائل الاتصال بشكل مباشر لمن ساهم في المشروع ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ لاطلاع الرأي العام وكسب الثقة”.
الربط بالخرائط
وقال المدير التنفيذي للشؤون الخيرية بكاف الإنسانية طارق الشيخ لـ “البلاد” عن اهتمام كاف الإنسانية بإنشاء مشاريع المياه والسقيا بالتعاون مع جهات موثوقة ورسمية ومرخصة في بلدانها، بالإضافة إلى أنه يتم تقديم تقرير يشمل لوحة ثابتة ومصوّرة عن المشروع ويتضمن صور قبل وأثناء وبعد حفر البئر”.
ويزيد الشيخ “يتم إضافة رابط موقع البئر عبر تطبيق Google maps؛ حتى يتسنى للمتبرع معرفة موقع البئر الدقيق لزيارة المشروع بنفسه إن أراد ذلك، كما أننا نقوم بزيارة هذه الدول للوقوف على المشاريع التي تم تنفيذها”.
وفي تساؤل لـ “البلاد” عن أي تجارب مسبقة تعرضت لها الجمعية من نصب واحتيال فيما يتعلق بالآبار الوهمية، علق الشيخ بالقول “لم تواجهنا قط أي محاولة للنصب والاحتيال طوال مسيرتنا في العمل الخيري”.
ويزيد “محاولات النصب لا تعتبر ظاهرة إنما هي محاولات فردية لأفراد غير مرخصين يلجأ لهم بعض المتبرعين بسبب أسعارهم المنخفضة وسرعة تنفيذهم للمشروع، وهي في النهاية غير مرخصين من قبل وزارة العمل والتنمية ولا يوجد أي رقابة على تعاملاتهم المالية؛ لذلك نحن نحذر من التعامل الجهات والأفراد غير المرخصين”.