العدد 6114
الجمعة 11 يوليو 2025
banner
الأنشطة الطلابية والتحصيل الدراسي: بين رفض وقبول!
الإثنين 16 يونيو 2025

في سعينا الدائم للارتقاء بأبنائنا أكاديمياً، يميل العديد من أولياء الأمور إلى الاعتقاد بأن النجاح يكمن فقط في الدرجات المرتفعة والمذاكرة المكثفة، غالباً ما يصبح شعار "الدراسة فقط" هو الأساس، وتُهمل الهوايات والأنشطة الطلابية، وكأنها مجرد مضيعة للوقت أو تشتيت للهدف الأسمى، يواجه أولياء الأمور تحدياً كبيراً عند تحديد مدى انخراط أبنائهم في الأنشطة الطلابية، فبعضهم يميل إلى رفض المشاركة، وذلك غالباً بسبب الخوف من تأثيرها السلبي على التحصيل الدراسي، أو اعتقادهم بأنها قد تشتت تركيز الطالب عن أولوياته الأكاديمية، أو حتى خشيةً من الضغوط الوقتية والمالية التي قد تفرضها هذه الأنشطة، في المقابل يدرك عدد متزايد من أولياء الأمور أهمية الأنشطة الطلابية ودورها الأساسي، ولذلك يشجعون أبناءهم على الانخراط فيها، ينبع هذا القبول من وعي متزايد بأن الأنشطة الطلابية ليست مجرد ترفيه، بل هي محفز أساسي لتنمية المهارات الحياتية الجوهرية مثل القيادة، العمل الجماعي، حل المشكلات، والتواصل الفعال، كما تساهم في بناء الثقة بالنفس وتعزيز الصحة النفسية للطلبة، مما ينعكس إيجاباً على تحصيلهم الدراسي وشخصيتهم على حد سواء.

من موقعي في مؤسسة تعليم عالٍ، ألاحظ عن كثب الفرق الجوهري بين الطلاب الذين يقتصرون على التحصيل الدراسي فقط والآخرين الذين يوازنون بينه وبين المشاركة في الأنشطة الطلابية، فالطلاب المنخرطون في الأنشطة لا يقتصرون على التميز الأكاديمي فحسب، بل يتميزون أيضاً بشخصيات قيادية قوية، ومهارات تواصل رفيعة، وثقة عالية بالنفس، وقدرة ملحوظة على التعبير عن الذات، يمتلك هؤلاء مرونة اجتماعية وذهنية تمكنهم من التفاعل بفاعلية مع محيطهم، وهي مهارات لا يمكن اكتسابها من قاعات المحاضرات وحدها.

لا شك أن التحصيل الدراسي الجيد أساس لا غنى عنه، فهو البوابة الأولى نحو الفرص المستقبلية، لكن حرمان الطالب من المشاركة في الأنشطة الطلابية يعني حرمانه من فرص ذهبية لبناء شخصيته من جوانب متعددة: سلوكية، تربوية، إبداعية، ثقافية، اجتماعية، وفنية، فمن خلال الانخراط في الأنشطة، يتعلم الطالب فن إدارة الوقت، والعمل ضمن فريق، وحل المشكلات، وتحمل المسؤولية، والمبادرة، يكتشف مواهبه الدفينة، ويصقل مهاراته الإبداعية، ويتعلم كيف يفكر خارج الصندوق، كما أنها تساهم بشكل كبير في تعزيز صحته النفسية، تخفيف الضغوط الأكاديمية، فالأنشطة متنفس آمن للتعبير عن الذات.

إن المعادلة الحقيقية للنجاح لا تكتمل إلا بدمج التميز الأكاديمي مع التطور الشخصي الشامل، وواجبنا كأولياء أمور ومربين ليس فقط توجيه أبنائنا نحو النجاح في الامتحانات، بل نحو بناء شخصيات قادرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة ومرونة وإبداع، فالأنشطة الطلابية تحمل في طياتها أهدافاً سامية تتجاوز مجرد الترفيه؛ علاوة على ذلك، تعزز هذه الأنشطة مبدأ الشراكة المجتمعية من خلال توظيف الهوايات في مختلف الأنشطة الإنسانية والخيرية، بل إنها تسهم في تنمية الحس الوطني والولاء للقيادة الرشيدة من خلال الانخراط الفاعل في الفعاليات الوطنية، وتعزز قيم المواطنة المسؤولة، كما أنها تنمي مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، وتغرس مبادئ العمل التطوعي وخدمة المجتمع، وتساهم في إعداد جيل واعٍ ومدرك لدوره في بناء المستقبل.

ولعل خير دليل على أهمية هذه الأنشطة هو الاهتمام المؤسسي بها؛ فمركز رعاية الطلبة الموهوبين التابع لوزارة التربية والتعليم يضطلع برعاية الطلبة الموهوبين حتى المرحلة الثانوية، ويحظى باهتمام مباشر من قبل سعادة وزير التربية والتعليم، الدكتور محمد بن مبارك جمعة، الذي يحرص كل الحرص على تكريم أبنائه الطلبة سواء في مجال التحصيل الدراسي أو أولئك الذين حققوا إنجازات غير أكاديمية، وفي المرحلة الجامعية نجد أن مؤسسات التعليم العالي بدورها تولي اهتماماً بالغاً للأنشطة الطلابية المتنوعة في مختلف المجالات والفنون والرياضات، مما يعزز من مكانتها ويثري مخرجات طلبتها، ويجعلهم قادرين على بلوغ أهداف طموحة تتوافق مع مساعي البحرين الدائمة لتطوير رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب وتشجيع الريادة والابتكار، فالبحرين تولي التعليم اهتماماً بالغاً تحت راية سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إيمانًا بأن الجيل البحريني الصاعد هو عماد نهضة المملكة الغالية وازدهارها.

دعونا نمنح أبناءنا الفرصة ليكونوا أكثر من مجرد "طلاب جيدين"، ليكونوا قادة، ومبتكرين، ومواطنين فاعلين في مجتمعهم، يساهمون في بناء مستقبل زاهر للوطن وللإنسانية جمعاء، إلى جميع طلبتنا الأعزاء، تذكروا دائماً أن سر النجاح يكمن في قدرتكم على تحقيق التوازن المثالي بين التحصيل الدراسي والمشاركة الفاعلة في الأنشطة الطلابية، نظموا وقتكم بذكاء، امنحوا لكل جانب حقه، فهذا هو طريقكم للنجاح والتميز.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .