في عام يعصف برياح التغيير، تتحرك تايلاند بخطى مدروسة لتعزيز تموضعها عبر مشروع “الممر الاقتصادي الجنوبي” Southern Economic Corridor - SEC، الذي يشكل ركيزة استراتيجية لتعزيز موقعها التجاري واللوجستي في جنوب شرق آسيا.
بين خليج تايلاند غربًا وبحر أندامان شرقًا، ولدت هذه المنظومة المتكاملة للبنية التحتية، التي لا تهدف فقط إلى دعم الاقتصاد المحلي، بل إلى التمركز بفاعلية أكبر ضمن سلاسل التجارة العالمية المتغيرة.
وفق بيانات اللجنة المشتركة الدائمة للتجارة والصناعة والمصارف التايلاندية، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد التايلاندي نموًّا يتراوح بين 2.4 % و2.9 % في العام 2025، رغم الضغوط الناتجة عن تباطؤ الاقتصاد الصيني وتقلب السياسات التجارية الأميركية في ظل حقبة “ترامب 2.0”. ورغم هذه التحديات، تراهن بانكوك على الاستثمار الأجنبي المباشر، والبنية التحتية، والصناعات التكنولوجية الجديدة كمحركات رئيسة للنمو.
مشروع الممر الجنوبي الذي رُصدت له ميزانية تصل إلى 1 تريليون بات تايلاندي (29 مليار دولار أميركي)، يهدف إلى تقليل الاعتماد على مضيق ملقا المزدحم الذي يمر عبره نحو 25 % من التجارة البحرية العالمية. وسيربط المشروع موانئ “تشومفون” و “رانغونغ” عبر سكك حديدية وطرق سريعة؛ ما يقلل تكاليف الشحن بنسبة 15 % ويختصر وقت النقل بنحو ثلاثة أيام. هذه البنية التحتية لا تستهدف فقط التجارة، بل تشمل تطوير مدن ذكية وخضراء تروج للسياحة المستدامة وتجذب الاستثمارات العقارية والثقافية.
هذا المشروع الذي يتوقع الانتهاء من تنفيذه بحلول العام 2030 يعزز أيضًا الترابط مع دول مبادرة خليج البنغال، خصوصًا مع أسواق بنغلاديش والهند وسريلانكا، فاتحًا المجال أمام المستثمرين الخليجيين للدخول بشراكات استراتيجية تتجاوز نسبة التملك فيها 50 %، بما يتناسب مع تطلعات صناديق الثروة السيادية الخليجية نحو تنويع محافظها الاستثمارية.
ورغم ما يحمله المشروع من آفاق واعدة، تبقى التحديات قائمة، لاسيما مع احتمال تعرضه لتأثيرات التوترات الجيوسياسية، أو تذبذب الأسواق العالمية، أو تحديات التمويل المحلي؛ ما يستدعي من المستثمرين مقاربة نقدية واقعية وتحليلًا معمقًا للمخاطر والفرص على حد سواء.
في المحصلة، يأتي مشروع الممر الاقتصادي الجنوبي كتعبير واضح عن رغبة تايلاند في تعزيز تموضعها، ليس فقط ضمن حدودها الوطنية، بل كفاعل محوري على مستوى الربط الآسيوي والعالمي. بالنسبة لدول الخليج العربية، يشكل هذا التحول فرصة مدروسة للمشاركة في صياغة مستقبل اقتصادي أكثر تنوعًا وارتباطًا بالأسواق النامية. وكما يقتضي الاستثمار الناجح، فإن الرهان يجب أن يكون على المشاريع التي تجمع بين البنية التحتية الحديثة والرؤية الاقتصادية بعيدة المدى.
* صحافي وكاتب إندونيسي، مهتم بشؤون منطقة جنوب شرق آسيا، مقيم في كوالالمبور