العدد 6114
الجمعة 11 يوليو 2025
banner
المفكر عبد الله القصيمي .. ما سر التحولات المفاجئة؟!
الأحد 15 يونيو 2025

ولد المفكر السعودي 1907 م في مدينة القصيم بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، في بيئة متواضعة دينية، درس تعليماً تغّلب عليه الصبغة الدينية ، فقد والده وهو صغير السن وكان هذا له اثراً عميقاً في نفسه، فقد كان عليه ان يعمل ويعتمد على نفسه، فحفظ القرآن في الكتاتيب، ودرس العلوم الشرعية والتوحيد في الفقه الحنبلي، ثم سافر إلى العراق لزيادة معرفته في العلوم الدينية،  وقد ابدى في هذا ذكاءً نادراً، تنقل بين سوريا والهند، ثم سافر إلى  مصر 1927 لدراسة العلوم الشرعية، وتفسير الحديث و العقيدة، وضح ذكاءه ونبوغه من خلال المناقشات في القضايا الفكرية والدينية، ومن خلال احتكاكه مع اساتذته، فقد كان الأزهر في تلك الفترة مركزاً حيوياً للفكر الديني ذو التأثيرات الإصلاحية المرتبطة انداك بالشيخ محمد عبده و آخرين.

في هذه الاجواء المنفتحة، وإلى جانب حماسه الشديد واندفاعه انبرى مدافعاً ومحاولاً ان يثبت تفوق حركة محمد عبد الوهاب على ما عداها من تقاليد دينية، فقد اعتبر ان ما يدرسه الأزهر ما هو إلا انحرافاً وخصوصا في الفقه، ومن بدع كالتصوف والاشاعرة، ورأى كيف يتسامح علماء الأزهر مع هذه البدع مما دفعه إلى ان يؤلف كتاباً اسماه "البروق النجدية في اكتساح ظلمات الدجوية".

کرد عنيف على الشيخ يوسف الدجوي وهو فقيه مصري، عمل بالتدريس في الأزهر الشريف، وعلى محمد رشيد رضا وهو مفكر إسلامي، فأشتعل النقاش بينه وبين اساتذته الازهريين مما ادى إلى إبعاده من مصر بقرار رسمي، وقد أثر هذا الطرد اثراً عميقاً في نفسه، فقد كان يعتقد انه حق واعتبر هذا ظلماً فكرياً.

في عام 1946 أصدر كتابا اسماه "هذه هي الأغلال" في هذا الكتاب أنكر المفكر القصيمي كل التقاليد الدينية، وسخر من العقل العربي الجامد، وعدم قدرته على تقبل ما هو عقلاني وحداثي، فقد تحول القصيمي من رسول مدافع وبشراسة عن الدين إلى الضد تماماً، إلى اعتبار الدين اغلال تعيق التطور والتقدم.

بيروت: سافر القصيمي إلى لبنان حيث وجد هناك الصحافة فاتحة ابوابها له ليكتب ما يريد في هذه الفترة فقام بتأليف مجموعة كبيرة من الكتب منها:

1.    العرب ظاهرة صوتية
2.    العالم ليس عقلا
3.    أيها العقل من رآك
4.    الكون يحاكم الاله
5.    هذا الكون ما ضميره

في هذه المرحلة اتصف اسلوبه بلهجة حادة ساخرة، وكان يتحدث وكأن العالم يخاصمه، والكون يهاديه، وبدأ يهاجم الدين، ويشك في قدرة العقل العربي على التطور والتحرر من الأوهام، وبدأ يعلن ألحادة بعد ما كان من اعلام المدافعين عن السلفية (الحركة الوهابية).

في كتاب القصيمي (الكون يحاكم الاله) الذي اثار صدمة وصدى واسعاً، يفتح القصيمي آفاقاً جديدة للتفكير للسعي في عدم تقبل الأمور كما هي كمسلّمات، وإنما يجب العمل على فهم العالم عن طريق العقل، وطالب الإنسان ان يكون حرا في اختيار معتقداته، وان يتبع المنطق والعقل في تقييم الأمور الدينية والفلسفية المتعلقة بالحياة والكون، وان يعمل على تحرير نفسه من القيود الفكرية التي فرضتها الأديان، فالتنوير كما يرى المفكر القصيمي لا يأتي إلا من خلال البحث الحر عن الحقيقة - أي - على الإنسان إلا يقبل بما هو سائد من افكار دون مساءلة او دون معرفة الدليل على وعليه إلا يعترف بالأساطير. 

المراحل الفكرية التي مر بها المفكر السعودي عبد الله القصيمي:
لم تكن المراحل الفكرية التي مر بها عبد الله القصيمي متدرجة ومتطورة كما هي العادة عند الكثير من المفكرين، كما يتبين لنا ففي المرحلة الأولى أصدر كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية، هذا الكتاب علق عليه البعض ان القصيمي حجز مكانه في الجنة لشدة وعمق ايمانه، وقوة دفاعه عن الدين فقد كان رسول السلفية الوهابية لا يضاهيه فيها أحد، لكنه فاجئ الجميع تحوله إلى عكس ذلك فقد أصدر كتابه الذي اسماه "الصراع بين الإسلام والوثنية". 

بعدها أصدر كتابه الذي اسماه "هذه هي الاغلال" عام 1946 والذي فيه ابدى شكوكه بكل التقاليد الدينية وبقدرة العقل العربي الجامد في ان يتجاوز الأوهام وحبه للماضي، إلى مستقبل متقدم متطور، لقد دخل القصيمي من خلال هذا الكتاب إلى الألحاد.

بيروت – في لبنان، وُجد أن الصحف اللبنانية تفرد صفحاتها ليكتب فيها من يشاء. في تلك الأثناء، وقعت نكسة 1967، التي صدمت الوعي والعقل العربي، مخلفةً بسحاباتها المظلمة أثرًا عميقًا على المشهد العربي في كافة الأصعدة.

 حيث بدأت تظهر أسئلة مصيرية لم تكن تطرح من قبل المفكرين والمثقفين، وكان المفكر القصيمي أحد المتأثرين بما حدث، فأصدر الكتب التالية خلال تلك المرحلة وهي الأخيرة في حياته:

1.    ايها العار ان المجد لك 
2.    فرعون يكتب سفر الخروج 
3.    يا كل العالم لماذا أتيت؟
4.    الإنسان يعصي.. لهذا يصنع الحضارات

 إلى جانب العديد من المقالات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، في هذه المرحلة تميز اسلوبه بالقسوة والحدة والسخرية والتهكم.

كلمة أخيرة:
يرى المهتمون أن المفكر السعودي عبد الله القصيمي لم يكن عنده مشروع فكري مؤسساً على رؤية واضحة الأهداف موضحة الأسباب التي آلت إليه هذه الأمور من تدهور وتأخر، لم يكن عنده مشروعاً قابلاً للنقد والدراسة، فبالنظر إلى افكاره نجدها متناقضة واحكامه قطعية فهو مثلا ينتقد الدين دون الاخذ بالاعتبار للسياقات التاريخية التي شكلت الواقع الحالي، وعندما يقارن بين الواقع العربي المتردي لا يأخذ بالاعتبار الظروف التي أدت إلى تقدم الغرب، فخطاباته واحكامه القطعية تجعله أقرب إلى الجدل بدلاً من الحوار والمناقشة، فمهمة المفكر ليس الهدم فقط ولكن مهمته عرض وتقديم البدائل، موثقة بالدراسة والتحليل، إذا فما أسباب التحولات المفاجئة في أفكار المفكر عبدالله القصيمي؟!

يقول صديق القصيمي الذي رافقه خمسين عاماً، لقد عاش القصيمي حياته قلقاً، فهل هذا القلق جعله يستعجل النتائج؟!  فلم يعد قادراً على الثبات والهدوء ليُصيغ أفكاره بتمعن وهدوء، هل كان القصيمي يشعر بالندم والحسرة على هذا؟ وهو يرى الأيام تمضي والعمر تتناقص أيامه، ووطنه وامته تعيشه مكبلة بالأغلاق.. كما قال وقد غرست انيابها في أوصاله، ولم يعد قادراً على النهوض الذي يحلم به ويتمناه.

هل كان حماس القصيمي واندفاعه في الدفع الدفاع عن آرائه والتعصب مع اساتذته وزملاءه وعدم استفادته من افصاح حرية الرأي فوت عليه بين فرصة التأمل والتفكير والمقارنة بين ما تعلمه وما يسمع؟ ام ماذا؟!..
 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .