العدد 4700
الجمعة 27 أغسطس 2021
banner
عودة طالبان ليست صدفة
الجمعة 27 أغسطس 2021

الثيوقراطية هي نقيض الليبرالية، وهي نظرية ظهرت في القرن الميلادي الأول، حيث تكون فيها السلطة لرجال الدين، وأحد أهم المنظرين لتلك النظرية هو برينجسكي مستشار الرئيس الأميركي الأسبق كارتر، وأيضا يعتبر منظر السياسة الأميركية حيث طرح في أواخر السبعينات من القرن الماضي فكرة تطبيق النظرية الثيوقراطية كأحد الأسلحة الموجهة ضد الاتحاد السوفيتي، خصوصا أثناء احتدام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والسوفييت، وبدأ برينجسكي هذه النظرية التي مضمونها أن تكون القيادة بيد الأحزاب الدينية، ورأى أنه من الممكن الاستفادة من أحزاب الإسلام السياسي بعد وصولها السلطة، مقابل إقناع هذه الأحزاب بمحاربة الاتحاد السوفييتي على أساس أنها دولة شيوعية ملحدة، فاتجهت أميركا وفرنسا وبعض الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية إلى اعتماد دعم قوة الإسلام السياسي، وساهموا بشكل كبير بدعم تنظيم القاعدة في أفغانستان وفي الطرف الآخر هيأوا الخميني ومجموعته لاستلام السلطة في إيران بعد خروجه وأتباعه من العراق واستقبل في فرنسا، بطريقة جيدة.

بكل الأحوال استفادت أميركا من هذه النظرية في أفغانستان، حيث دخلت طالبان "الحزب الإسلامي المسيطر على السلطة في أفغانستان" بحرب مباشرة مع السوفييت حتى انسحابها من أفغانستان، ودعمت إيران لمحاربة حلفاء السوفييت الأقوى في المنطقة العربية، وبدأت بحرب إيران مع العراق، لكن بعد انتهاء الحرب الباردة سنة ١٩٨٩م لم تستطع أميركا كبح جماح القوة المتطرفة مثل حركة طالبان، حيث بدأت بمهاجمة المصالح الأميركية في العالم حتى وصلت

في ١١ سبتمبر إلى أبراج التجارة العالمية في أميركا، ما اضطر أميركا للانقضاض على أفغانستان كردة فعل مباشرة على تلك الضربة، واستطاعت تفكيك دولة أفغانستان وطالبان بقيادة الملا عمر، وأسرت عددا كبيرا من قياداتهم ثم نقلتهم إلى سجن غونتنامو سيئ الصيت، وبقيت أميركا حتى اليوم لتأسيس دولة مدنية معتدلة في أفغانستان حتى أغسطس ٢٠٢١، حيث أعلنت انسحابها وسلمت السلطة بطريقة غير مباشرة إلى أعداء الأمس وهي حركة طالبان وتحديدا إلى قياداتها الذين كانوا في سجن غونتنامو، لكن كل هذا ليس صدف، فبعد فشل أميركا مع إيران التي بدأت تهيمن على كثير من القرارات في العراق واليمن ولبنان وسوريا وتصر على إكمال مشروعها الطائفي في المنطقة أعادت أميركا طالبان في أفغانستان لتحول المنطقة مرة أخرى لصراع عقائدي بين قطبين حيث لم يبق لأميركا حل آخر سوى مواجهة إيران إما بحرب مباشرة للحيلولة دون الهيمنة على مصالح أميركا في المنطقة أو إيجاد بديل لها في هذه الحرب الباردة، لذلك رأت أميركا دعم طالبان المتشددة للعودة للسلطة باتفاق كامل مع نفس العناصر الذين كانوا سجناء ليكونوا في مواجهة مع القطب الثاني وهو إيران، وبهذا تخرج أميركا من الصراع المباشر لخلق صراع طائفي عقائدي بين جهتين لإضعافهما والرجوع بعدها إلى أميركا لتكون عنصر الفصل بينهما وهي نظرية أخرى لأميركا سميت بنظرية الاحتواء المزدوج.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية