العدد 4692
الخميس 19 أغسطس 2021
banner
بن غني هرب...
الخميس 19 أغسطس 2021

مساء الأحد الماضي خرج موكب الرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني البالغ من العمر 72 عاماً، من الباب الخلفي للقصر الرئاسي إلى المطار في كابل، ممتطياً طائرته الخاصة، والتي ربما وفرتها له ولعائلته الولايات المتحدة الأميركية أو بإيعاز منها، على الدرجة السياحية ذهاباً فقط، نحو المجهول بعيداً عن السلطة التي تركها مجبوراً لحركة طالبان التي سيطرت على كل المقار الحكومية والمواقع الرسمية بدون أية مقاومة تذكر.

ظهر الرئيس الهارب وهو في المطار مرتدياً بدلة وربطة عنق فرنسية، ولابساً كمامته من طراز N95 الأميركية، يضرب كفاً بكف، يسترق النظر يمنة ويسرة، وفرائصه ترتعد، وهو في عجلة من أمره مسرعاً نحو سلم طائرته ملوحاً بيده اليمنى للحظات بسيطة بالوداع، سارقاً ما لذا وطاب مما خف وزنه وزاد ثمنه، ملقياً نظرة أخيرة على البلاد التي سرقها وضيعها من المطار نفسه الذي وصل من خلاله إلى الحكومة قبل نحو 20 عاماً كمستشار خاص للأمم المتحدة بُعيد الإطاحة بحركة طالبان في 2001، ثم وزيراً للمالية في 2002، مرّ شريط ذكرياته سريعاً أمامه في صمت، لم يوقظه منه سوى صوت كابتن الطائرة منادياً له بصوت عال، أيها الهارب ألا تسمع النداء الأخير للإقلاع، فدخل مهزوماً إلى الطائرة وهو مطأطئ رأسه، ومتمتماً بصوت خافت لم يكلفني الوصول إلى السلطة في عام 2014 رصاصة واحدة، لكن هروبي بهذه الصورة المشينة سيكلف البلاد والعباد الكثير من الإرهاب والاستبداد والفوضى وعدم الاستقرار.

هروب الرئيس الأفغاني بهذا الشكل المفاجئ وغير المتوقع سبب حالة من الخوف والهلع لكل سكان كابل، إن لم يكن لكل سكان أفغانستان، ما أدى إلى محاولة فرار الآلاف من الأفغان بشكل فردي وجماعي ذكوراً كانوا وإناثاً ومن كل الأعمار إلى خارج البلاد، حيث سارعوا إلى مطار "حامد كرزاي الدولي" بكابل، للهروب كيفما كان وإلى أي مكان بدون أية حقائب أو أوراق ثبوتية أو حتى تحديد الوجهة التي يقصدون الفرار إليها، فجميعنا شاهد مقاطع مؤلمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم نكن نتوقع أو نتمنى مشاهدتها للمئات من الأفغان البائسين وهم متعلقين بأستار الطائرة العسكرية وهي تتحرك على المدرج في طريقها للإقلاع، ومحاولة البعض منهم بجنون التشبث بجوانبها أو عجلاتها، بينما تساقط عدد من الأشخاص من الجو.

كان بإمكان أشرف غني وبالتنسيق مع الحلفاء أن يوفر على نفسه عناء هذا الهروب المشين والمذل، خصوصا أنه بلغ من الكبر أرذله، بتخليه عن صلاحياته ومسؤولياته مقابل توفير الأمن والاستقرار والنظام للبلاد، ويغادر بهدوء وكرامة، أو يواجه مصيره مع من تبقى من نظامه بقوة وشجاعة، حتى يظل اسمه خالداً في تاريخ البطولات، باعتباره لم يضع وطنا ولم يسرق شعبا ولم يهرب بليل، فالوطن باقٍ والأشخاص زائلون والتاريخ لا يرحم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .