+A
A-

كورونا وقطاع الصحة المتهالك.. أطباء إيران يهاجرون هربا من ظروف عصيبة

بالتوازي مع تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا الذي أربك النظام الصحي في إيران، تستمر ظاهرة هجرة الأطباء من البلاد، وسط تراجع لافت في جودة الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، على وجه التحديد.

صحيفة "لوس أنجلس تايمز" نقلت عن بعض الأطباء الإيرانيين رغبتهم في "الهروب" من البلاد، والبحث عن فرص عمل في الدول الغربية "التي تعطي الإمكانات لأطبائها وتثمن عملهم" وفق تعبير أحدهم.

في بداية ثمانينيات القرن الماضي، بدأت ظاهرة هجرة الأطباء، مباشرة بعدما يعرف بـ الثورة الإسلامية" والحرب العراقية الإيرانية، وشهدت الظاهرة تزايدا ملفتا خلال السنوات التالية، وفق أويد تونكابوني، طبيب إيراني، تحدثت إليه الصحيفة.

وقال تونكابوني، الذي نشأ في بلدة ريفية في شمال إيران "لقد كنا أطفالا وقتها، وكانت دراسة العلوم الطبية والتحول إلى طبيب هي أعظم أمنية للعائلات لأطفالهم، لكننا اصطدمنا بالواقع".

تونكابوني ، 44 عاما، هو الآن أخصائي طوارئ يتمتع بخبرة تزيد عن عقدين من الزمن، ولكن بينما يريد أن يواصل ممارسة مهنته، وتحقيق أحلامه وأحلام والديه، لم يعد يرى مستقبلا لفعل ذلك في إيران.

ويمثل "النزوح الجماعي للأطباء" كما تصفه الصحيفة،  ضربة موجعة لدولة تصارع واحدة من أسوأ الأزمات الصحية في العالم. 

ويموت المئات من الإيرانيين كل يوم بسبب وباء كورونا، إذ بلغ عدد الوفيات أكثر من 78381 وفق الإحصاءات الرسمية "وهو أقل من العدد الحقيقي" تؤكد "لوس أنجلس تايمز".

رفع العقوبات الأميركية "لن يحل مشاكل إيران".. تحليل يكشف السبب

قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تحليل لها إن رفع العقوبات الأميركية عن إيران لن يحل مشاكل طهران.

مسؤولون إيرانيون كبار، وصفوا الهجرة الجماعية للمهنيين الطبيين بأنها خسارة فادحة، وقالوا إن هناك حاجة إلى 53000 ممرض وطبيب إضافي لمكافحة تفشي المرض.

كان تونكابوني نفسه، يعمل ساعات طويلة في مستشفيات مختلفة في طهران، وكان، وفق قوله، من الذين آثروا البقاء في بلادهم لخدمة مواطنيهم، لكن رأيه تغير الآن.

يقول تونكابوني: "أتذكر أنني ربحت ما يصل إلى 22 ألف دولار في عام 2006"  وهو راتب يُحسد عليه في إيران  "لكن الأمور ساءت لأن العقوبات الدولية دمرت اقتصادنا" ثم تابع "اليوم أكسب 10 مرات أقل على الرغم من أنني متخصص الآن".

وفي فبراير الماضي، مع تزايد موجة جديدة من حالات الإصابة بفيروس كورونا، صدمت تغريدة من المجلس الطبي الإيراني الكثيرين بتأكيدها أن 3000 طبيب قد انتقلوا إلى الخارج في عام 2020. 

وتراوحت ردود الفعل بين التعاطف مع أولئك الذين غادروا البلاد وبين انتقاد افتقار الحكومة لسياسات تشجع الأطباء على البقاء.

تونكابوني قال في الصدد: "أستطيع أن أقول إن حوالي 30 في المئة من أصدقائي وزملائي غادروا إيران متجهين إلى أوروبا الغربية وأميركا الشمالية منذ عام 2009" ، مضيفا أن الهجرة ليست "النهاية السعيدة" التي سعى كثيرون مثله إليها بعد أن استثمروا الكثير من الوقت والجهد لدراسة الطب في نظام تعليمي عالي التنافسية في إيران.

وتقدر تقارير مختلفة أن حوالي 180 ألف إيراني متعلم "بدرجة عالية" يغادر البلاد كل عام.

وبدأ الأطباء في الانضمام إلى أعداد "الهاربين" خلال الرئاسة المتشددة لمحمود أحمدي نجاد (2005-2013)، حيث تسبب نهج المواجهة مع الغرب والعقوبات التي تلت تلك السياسة، في انخفاض قيمة العملة الإيرانية، وبالتالي القدرة الشرائية وفرص العيش الكريم.

شوهريه جولبيكار، ممرضة إيرانية، كشفت هي الأخرى أنها بصدد أخذ دورات تدريبية للحصول على الشهادات التي تسمح لها بالهجرة إلى كندا. 

تقول جولبيكار البالغة من العمر 35 عاما إن العشرات من زميلاتها وزملائها السابقين انتقلوا بالفعل إلى هناك أو إلى أستراليا.

وقالت: "لقد كنت ممرضة ولدي ما يقرب من 10 سنوات من الخبرة وعملت تحت ضغط شديد لسنوات عديدة لكن راتبي ليس جيدا".

وقال تونكابوني إن لديه فرصة للانتقال إلى الولايات المتحدة، حيث تعيش أخته، عندما كان الإصلاحي محمد خاتمي رئيسا، قبل أحمدي نجاد، لكنه اختار عدم الذهاب في ذلك الوقت لأنه كان لديه دخل ممتاز "لكن الظروف الحالية لا تبدو مواتية" حسب قوله.

وتظهر استطلاعات رأي حكومية وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي أن الإيرانيين ساخطون ومحبطون من حكامهم، وسط تصاعد دعوات مقاطعة الانتخابات المقررة الشعهر المقبل لايمانهم بأنها لن تغير شيئا.

وكان لدى المتخصصين مثل تونكابوني حافز أكبر للبقاء في إيران قبل الوباء، لأن الكثيرين كانوا يجنون فوائد السياحة الطبية المزدهرة، حيث كان يسافر الآلاف من المرضى من دول الخليج العربي وحتى أوروبا الشرقية إلى إيران لتلقي علاج عالي الجودة وبأسعار معقولة.

لكن فيروس كورونا الآن خنق هذا المصدر للدخل إلى حد كبير، وتعثرت البرامج الحكومية لإبقاء الأطباء "سعداء" وهو ما يجعل كثيرين يفكرون في المغادرة، وفق تونكابوني.