العدد 4445
الثلاثاء 15 ديسمبر 2020
banner
قم للمعلم
الثلاثاء 15 ديسمبر 2020

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في وصفه المعلم "قُـمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا... كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا، أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي... يبني وينشئ أنفـساً وعقولا)، وكأن الشاعر هنا بكلمات قليلة اختصر الكثير مما يمكن أن يكتب في مقالات مطولة عن دور المعلم ورسالته السامية وقيمه العليا في صناعة المستقبل وتربية أجيال تبني أوطانها وتصنع لها المجد، فإذا كان العلم سلاح المستقبل وحصن الأمان للنشء، فالغد سيكون أجمل بجده وعمله واجتهاده، والعملية التعليمية والقائمون عليها وعلى رأسهم المعلم هم سفينة الإبحار لذلك الغد وطريقه الممهد الذي يأخذ بيد أبنائنا ليكملوا ما بدأه الآباء ويضعوا بأيديهم حجر الأساس ولتكمله من بعدهم أجيال وأجيال.


بثت قناة العربية خبرًا مفاده فوز مدرس من الهند بجائزة المعلم العالمية ٢٠٢٠، حيث حصل على مبلغ قدره مليون دولار أميركي، وذكر الخبر أن المدرس الهندي واسمه راجين ديستني تم اختياره بسبب مساهمته في تغيير فرص الحياة لفتيات معظمهن من مجتمعات فقيرة، حيث كان الحضور إلى المدارس منخفضًا جدًا، إلى جانب شيوع ظاهرة زواج المراهقين، وكان المدرس قد انتقل إلى قريتهن وترجم الكتب الدراسية المقررة كي تفهمها الفتيات، كما قدم أدوات التعليم الرقمي وصمم برنامجًا خاصًا لكل طالبة، حيث يجري حاليًا استخدام نظامه الذكي في جميع أنحاء الهند، هذه نبذة مختصرة عن معايير الجائزة وذلك لتوضيحها للقارئ الكريم.

وفي سياق ردة فعله على نبأ فوزه بالجائزة المرموقة من قبل مؤسسة Varkey وشريكتها اليونسكو للاحتفال بهذه الطريقة الرائعة، أصر على مشاركة والديه في هذا الحدث التاريخي له شخصيًا ولوطنه وليوصل رسالة جميلة ورائعة في بر الوالدين الذي نفتقده هذه الأيام مع الأسف الشديد!


ليس هذا فحسب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك كثيرًا، إذ أعلن قراره بمشاركة نصف مبلغ الجائزة (٥٠٠ ألف دولار) مع منافسيه التسعة بالتساوي! تصوروا يا جماعة أن شخصًا يقوم بهذه المبادرة الكريمة والشجاعة ويشارك منافسيه فرحة فوزه إلى الجميع، مؤكدًا أنه بالإمكان إحداث فرق لجعل هذا العالم مكانًا أفضل، قمة في صفات الكرم والأخلاق والمبادئ والرقي وبعيد عن الأنانية وحب الذات الذي نعاني منه هذه الأيام.


هذه قصة واقعية أتمنى نشرها وإيصالها إلى أبنائكم فلذات أكبادكم، لنؤكد لهم ونشدد على الدور المحوري للمعلم الذي مع الأسف فقد الكثير من هيبته، وكذلك لنزرع فيهم حب عمل الخير والتعاون والكرم وكذلك لنثبت لهم أن هذا المدرس الذي ينتمي إلى عائلة تعتبر فقيرة قد عمل المستحيل وتحدى الصعاب لنيل الجائزة، وكما قيل لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء. الإرادة هي ما يدفعك للخطوة الأولى على طريق الكفاح، أمّا العزيمة فهي ما يبقيك على هذا الطريق حتى النهاية. قد تكون أفضل الطرق أصعبها لكن عليك دائماً اتباعها، إذ إنّ الاعتياد عليها سيجعل الأمور تبدو سهلة.


تذكروا.. العلم نور والجهل ظلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية