كثيرًا ما يتخلل الإعلانات التجارية والترويجية للسلع والمنتجات على شاشات التلفاز ما يسيء إلى الأخلاق والآداب العامة، سواء في المظهر أو الأداء أو حتى المحتوى، حيث المقصود دائمًا وأبدًا هو تحقيق أقصى ربح ممكن من عرض المنتج وجذب انتباه أكبر عدد من الجمهور، فتتوارى الاعتبارات الأخلاقية لصالح الاعتبارات المادية وحسابات المكسب والخسارة، وقد تحدث ردة فعل معاكسة لما يهدف إليه صاحب الإعلان، يضطر معها وبفعل الرفض الجماهيري إلى تعديل الإعلان بما يتناسب مع أعراف المجتمع وتقاليده.
هذا الأمر قد يكون مفهومًا ومتوقعًا في سياق الإعلانات التجارية بأن تخرج وتحيد عن القانون والأخلاق، لكن حين يكون الأمر متعلقًا بالحث على الالتزام بالقانون والحفاظ على المصلحة العامة وصحة وسلامة المجتمع أو فيما يمكن وصفه بالإعلانات “العامة” التي ترغب الدولة في توجيهها للمجتمع، فإننا نتوقع دائمًا أن يأتي الإعلان منسجما مع القيم والأخلاق والقانون، وإلا فإنه سيفقد قيمته تمامًا ويأتي بنتائج عكسية لوقوعه في تناقض فج ومستفز بين محتواه وبين رسالته وهدفه، وهذا ما حدث في الإعلان الذي أطلقته هيئة السياحة ومجلس الشيوخ بمدينة برلين مؤخرا لحث الناس على ارتداء الكمامة والالتزام بقوانين مواجهة فيروس كورونا المستجد كوفيد ـ 19، إذ أثار جدلاً واسعًا واستياءً كبيرًا بسبب ظهور امرأة مسنة فيه تشير بإصبعها الأوسط لمن يرفضون ارتداء الكمامة، وكتب إلى جانب الصورة “هذا الاصبع لمن لا يرتدون الكمامات”.
ورغم أن هيئة السياحة حاولت التخفيف من وقع هذا السلوك “البذيء” الذي يرفضه الجميع، بتأكيدها أن الإعلان يلفت الانتباه لضرورة حماية المسنين بسلوكهم، وتذكير الناس بضرورة الالتزام بالقوانين، ولهذا لجأت إلى هذه الصيغة الاستفزازية في مخاطبة فئة معينة وهم الأشخاص الذين لا يلتزمون بالقوانين.
إلا أن الإعلان أثار ردود فعل غاضبة واعتراض قطاعات واسعة، ومن بين الذين اعترضوا لوينز مارولدت رئيس تحرير صحيفة دير تاغيسبيغل الذي قال: “يبدو أن مجلس الشيوخ يعتقد أن إهانة الناس فعالة أكثر من فرض قوانين صارمة ومراقبة تنفيذها بشكل صارم.. لقد فشلوا في ذلك بشكل صارخ”.