العدد 4262
الإثنين 15 يونيو 2020
banner
عشرون دولارا تغير العالم
الإثنين 15 يونيو 2020

جورج فلويد، رجل أميركي أسود، قبل عشرين يوما لم يكن يعرفه سوى أقاربه وذويه وربما جيرانه وصاحب العمل الذي يعمل به، وإذا بهذا الرجل الذي كان مجرد رقم ضمن أرقام الشعب الأميركي، يصبح عنوانا لكل الصحف وكل نشرات الأخبار.

كان يمكن لجورج فلويد أن يموت في حادث سيارة أو يموت ضمن مئة ألف أو يزيد من الأميركيين الذين قضوا بسبب وباء كورونا، وكان يمكن أن يموت بجرعة مخدرة أو رفسة حصان أو حمار وتمر جنازته وينتهي أمره دون أن تركع له نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي في واشنطن، ودون أن يقول بوريس جونسون للمتظاهرين في لندن “إنني أسمعكم”.

وكان من الممكن ألا يشك البقال الذي ذهب إليه جورج فلويد في أن العشرين دولارا التي أعطاها الأخير إياه مزورة، وبالتالي لا يقوم باستدعاء الشرطة التي داست على رقبة فلويد حتى قال قولته التي رددها العالم والتي ستصبح عنوانا لأدبيات وكتب عن كفاح السود، “لا أستطيع أن أتنفس”، ثم مات وأشعل الدنيا نارا.

لكنها الأقدار وإرادة الله وأخطاء البشر التي تغير العالم وتصنع التاريخ، وقد أراد الله أن يصبح جورج فلويد شخصا مشهورا واسما يتردد في قصص المقهورين والمقموعين في كل مكان، فيذكر اسمه مثل أبراهام لنكولن وغيره ممن كان العالم بعد موتهم مختلفا عنه قبل موتهم. أخطاء تصنع التاريخ، فكل ما كتبه مناهضوا العنصرية وكل ما حاوله المشرعون وفشلوا فيه على مدار سنوات لا يساوي العشرين دولارا التي أعطاها جورج فلويد للبقال وظنها مزورة وتبين في النهاية أنها صحيحة، ويمكن أن تصل الأمور إلى أبعد من ذلك بكثير وتكون العشرون دولارا أكثر تأثيرا في نتائج الانتخابات الأميركية من مليارات الدولارات التي تنفقها آلة الدعاية الأميركية بوسائلها المتعددة.

وقد يذهب بنا الخيال إلى ما هو أبعد وأبعد ويتم تغيير موازين القوى في الكون بعشرين دولارا بعد أن عجزت كل الأموال وكل الأسلحة وكل الحروب عن إحداث هذا التغيير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .