+A
A-

المواهب الفنية الواعدة... جزر مطموسة وسفن تائهة

حين نطالع المواهب الفنية الواعدة، وكيفية استمرارها في الساحة، سنشاهد أن الخريطة ليست واضحة المعالم تماما، وليست متكاملة، جزر مطموسة وسفن تائهة وشواطئ يختلط المد والجزر فيها فلا يبدو منها شيء، وملامح لها العنفوان كما تبدو عليه وقد تكون غارقة في السراب.

هناك أسماء كثيرة ابتعدت، ومنهم من احتواه النسيان والتيه، ومنهم من ضاع في في حالات أشبه بالعزل والممرات الضيقة، دخلوا حلبة الفن باكرا وشعروا بالفرح بإبداعهم وكانت الشهرة تهتز في أيديهم، ولكن مع مرور الوقت اختلط الأمر وزاد سوءا والتهمتهم طاحونة البحث عن الدائرة، عن أنفسهم، عن البيئة المحفزة للأبداع والزاخرة بالأعمال الدرامية، التي هي من أهم ركائز استمرار الفنان.

خرجت في ساحتنا الفنية مواهب كانت في حاجة إلى صقلها بالدراسة، وعندما تحقق لها ذلك اكتشفت أن هناك حالة مسيطرة على الوضع الفني في البحرين وهي "قلة الإنتاج الدرامي"، وبالتالي كان من الطبيعي ألا تعمر تلك المواهب طويلا ويستحيل أن تعطينا ما كان متوقعا منها، فشعرت بالغربة والعزلة واكتفت بالنظر من نافذة الشوق وبعث رسائل الشوق والغرام.

الفنان أمين الصايغ يرى أن من الصعوبة جدا أن تستمر الوجوه الواعدة في الساحة الفنية طالما لا يوجد استمرار في الأعمال طوال السنة، وهذه قضية معروفة لدى الجميع. ولا يقتصر الأمر على المواهب الواعدة فحسب، بل لا يمكننا أن نصنع نجما في ساحتنا الفنية؛ لأن من أهم شروط النجومية كثرة الأعمال وازدحام برنامج الفنان.

أما الفنان أحمد مجلي وكأنه أستيقظ على مفارقة رهيبة حين قال "الشباب الواعد ظُلم كثيرا، وكان يفترض أن يكون هو الجيل الثاني من بعدنا، ولكن بسبب عدم وجود الدعم والاهتمام ضاع وبدأ يفقد ثقته بنفسه. للأسف البحرين ليس فيها صف ثان من الممثلين أسوة بأي بلد. لا أعني بالدعم هنا المادة، وإنما الدعم المعنوي والتشجيع وتوسيع قاعدة إنتاج الأعمال".

وبشعر الحسرة وتفعيلاته وقوافيه، يقول الفنان خليل الرميثي "بسهولة ودون عناء نستطيع أن نعرف لماذا لا تستمر المواهب الواعدة في الساحة الفنية، وهي قضية الإنتاج. قضية قديمة متجددة، وأصبحت من الكلاسيكيات ومثل الصورة الناطقة. كيف تريد من موهبة أن تطور من نفسها دون استمرار في الأعمال؟ يشتغل اليوم ويجلس في بيته سنة. لا يمكن لأي موهبة كانت أن تصمد ويشتد عودها في مثل هذا الوضع. الموهبة تحتاج إلى التشجيع والاستمرار والدخول في تجارب واحتكاك؛ لتكون قادرة على فرض اسمها والبروز بصفات الإبداع".

أما المخرج والفنان طاهر محسن فركز على مسألة غاية في الأهمية حين قال "هناك نواقص كثيرة يحتاج إليها الفنان البحريني ومنها، الدورات ومعهد فني وكذلك التفرغ والبيئة الفنية المتكاملة.. فما بالنا بالمواهب الواعدة التي لا زالت في البدايات وتحتاج إلى طريق طويل عريض من الاهتمام؟

وبين طاهر أن: القضية الجدلية في الساحة الفنية لدينا هي قلة الإنتاج الدرامي، وانعكاساتها على أداء الفنان واستمراره. ذات يوم قال لي الفنان المصري سليمان عيد خلال تصويره مسلسل "البطران" للمخرج والمنتج الصديق عبداللطيف الصحاف إن "أكبر مشكلة عندكم في الخليج هي ضياع المواهب". وعندما طلبت منه توضيحا أكثر قال "عندما تخلو المسلسلات الخليجية من الأطفال والصغار، فهذا مؤشر على عدم الاهتمام بالمواهب الصغيرة الواعدة، وهذا تقصير يحاسب عليه أيضا الكتاب الذين لا يفردون مساحة للممثلين الأطفال، فهم مغيبون تماما من عقلية كاتب النص الخليجي، إلا فيم ندر.