من المحزن أن ترتفع أصوات شاذة تسير عكس الشعور الإنساني الطبيعي والمتوقع في مثل هذه الكوارث التي تعيشها الصين تحديدا نتيجة تفشي فيروس كورونا الذي يشير الخبراء إلى أنه يتجه ليكون وباء عالميا، في ظل الارتفاع المتسارع لعدد الحالات المصابة وتمكن الفيروس من الانتشار في جميع أنحاء العالم دون ظهور مؤشرات أو بوادر للسيطرة عليه أو التوصل لعلاج له.
من بين تلك الأصوات، وجدنا من يتحدث عن صفقات وأرباح ومكاسب نتيجة هذه الكارثة التي تواجه الصين وكيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة وذلك دون مراعاة طبيعة هذا الظرف الإنساني المؤلم ودون إبداء أي تعاطف أو حزن على المصابين والموتى جراء هذا الفيروس.
آخرون انساقوا وراء تفسيرات عجيبة منها أن ما تعرضت له الصين هو جزاء ما اقترفته الدولة بحق المسلمين هناك، وكأن هؤلاء لا يدركون أن مخاطر الفيروس تتجاوز حدود الصين بكثير وتهدد جميع دول العالم الآن وتفتك بالكثيرين، كما خفي عنهم الكثير من الفيروسات السلوكية والقيمية والأخلاقية التي تعاني منها دولنا العربية والإسلامية والتي ربما لا تقل في مخاطرها وتداعياتها عن كورونا لأنها قد تدمر أمما وتودي بمجتمعات.
رغم أننا ومنذ سنوات عديدة نردد بأننا نعيش عصر العولمة والانفتاح، وأن العالم بات قرية صغيرة، ولم يعد للحدود أي اعتبار، إلا أنه يبدو أن ذلك قاصر على جوانب معينة من الانفتاح كالتكنولوجيا والاتصال والمعلومات، إلا أن هذه العولمة تتلاشى أو يتم التصدي لها ومقاومتها حين تتعلق بالشعور الإنساني والتعاطف مع الآخرين في مواجهة المصائب والكوارث، فتسود الأنانية والعزلة وتظهر الشماتة في أحزان الغير.
لقد كشف فيروس كورونا عن عيوب كثيرة في الليبرالية التي يؤمن بها الغرب في اقتصاده وتجارته وحاجتها إلى ضرورة الاسترشاد والاحتكام إلى قواعد إنسانية لضبطها ومنعها من الانفلات والجموح، وأظهر مدى حاجتنا نحن كعرب ومسلمين لوقفة مع قيمنا وأخلاقنا لتتناسب مع إسلامنا وديننا.