العدد 4120
السبت 25 يناير 2020
banner
“السفارة”.. الجماعة الفتاكة بين الشيطنة وتسويق الضلال
السبت 25 يناير 2020

فاقد الشيء لا يعطيه، رغم ذلك فإن جماعة “السفارة” التي لا تغني فتواها ولا تسمن من جوع بدأت في صياغة بل وتنفيذ مشروع تحسبه يقينًا يتم العمل به خلال الأشهر الستة المقبلة، ولأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فإن تلك الجماعة التي تحض على الظلم كيف لها أن تقيم العدل على الأرض، وأفرادها الذين يتحكمون في مصائر بعضهم البعض ويحددون إقامات الخارجين عليهم، فكيف لهم أن يحترموا قانونًا ويؤمنوا بشرائع، ويتوافقون مع مجتمع.

إن تلك الجماعة بدلًا من أن تُجدد الخطاب، أحرقته، وقبل أن تدعو إلى المحبة بين الناس، حضت على الكراهية، وفي الوقت الذي توافقت عليه الأمة على ثوابت مستقرة منذ عشرات المئات من السنين، جاءت هذه الجماعة بادعاءات لنفي هذه الثوابت وإخراجها على إجماع المسلمين.

الجماعة تفتك بأعضائها المتفكرين، تطلب منهم أن يصبحوا قطيعًا خلف راعٍ، ومعصوبي العينين أمام ساقية، ومنكفئي الأحوال على ذواتهم وشخوصهم الضيقة.

إذًا كيف يمكن للرحمة أن تسود؟ وللوئام أن يتحقق، وللقبول بالآخر أن يأخذ طريقه القويم نحو الآخر الذي لا يقبل بنا؟

حددوا أيها السادة وجهتكم قبل أن تنزلقوا في هلاك الإفتاء غير الشرعي، وعودوا إلى صوابكم لو كان فيكم خير مثلما تدّعون، واتفقوا على كلمة سواء بين أنفسكم أولًا قبل أن تنشروا غسيلكم المتسخ على الملأ ثم تعودوا وتروجون لأفكار ما أنزل الله بها من سلطان.

الإجماع يعني اليقين، واليقين تحدده رؤية واضحة لا تتحمل اللبس أو الإسراف في الفحص، كل ما هنالك، أن التسامح المرفوع شعار لدى جماعة السفارة، لا نجد له مكانًا من الإعراب بين أفرادها المغلوبين على أمرهم، لماذا؟ لأن التهديد والوعيد أصبح سلاحًا مستخدمًا يلعبون به، ويضعونه على رقاب أعضائهم المتجهين للاستفاقة من غيبوبة الجاهلية التي يفرضونها عليهم، ومن ديمومة التماهي التي آلت إليها سلوكياتهم بعد أن حبسوا وبطشوا وهلوثوا وضلوا.

المجتمع بريء منكم، وسفارتكم الخاوية على عروشها أفضل أن تعرضوها للبيع في أسواق “الحراج”، وأعضائكم المحددة إقاماتهم في بيوتهم ظلمًا وعدوانًا آن لهم أن يطلبوا الحرية والعدالة، والحب الحقيقي السائد على الأرض.

من يدعو لشيء من دون أن يؤمن به عليه أن يذهب إلى الجحيم، ومن يتسلط على مسلم من دون وجه حق فيجب على أية دولة أن توقفه عند حده، خصوصا أن بلاد القانون لا يمكن أن تسمح لكائن من كان أن يقيد حركة مواطن، وبلاد الأخلاق الحميدة التي أتشرف بالانتماء إليها وهي مملكتنا الحبيبة البحرين لا يمكن أن تقبل مثل هذا النفر الموتور، ومثل هؤلاء الدخلاء، ومثل هؤلاء الحمقى الذين اشتروا الضلالة بالإيمان، وباعوا دينهم الحق للشيطان، وتاجروا بالدين على أنه سلعة يمكن أن يحققوا من ورائها مكاسب يتفاخرون بها في مجتمعهم المنكفئ الضيق، وبين ذويهم المشاكسون المقامرون.

إن الدين لله والوطن للجميع، لكن لا الدين يرضى عنكم ولا الله ورسوله وآله سيتركونكم من دون حساب، ولا حتى المجتمع البحريني الكريم سوف يترك لكم الجمل بما حمل حتى تعيثوا في الأرض فسادًا، والله على ما أقوله شهيد.

سبع باقات مُرعبة

ما أن حل العام الميلادي الجديد، حتى اتحفتنا جماعة “السفارة” ببرنامج ندوات أسمته “موسم استئناف الحياة”، بصرف النظر عن المُسمى الذي يسبب إزعاجًا ليس له مثيل للمتفكرين في خلق السماوات والأرض، فإن ما تنوي “السفارة” تنظيمه أو الولوج فيه هذه المرة مجرد سبع باقات تحاول من خلالها إجهاد العقل المتتبع للأمة، من شهر فبراير حتى يوليو المقبل 2020.

الأسرة الإنسانية كان لها نصيب مما تطلق عليه بكسر العقد والأغلال وتجلياتها خلال شهر رمضان المبارك وعيد الفطر الكريم.

كل ذلك “كوم” وما تطرقت إليه الجماعة المارقة في السياق نفسه “كوم آخر”، حيث الحروب الناعمة وكيفية اختراق الوعي والذكاء الاصطناعي.

“ما كان في ظاهره رحمة ففي باطنه عذاب” هكذا يقولون أو يتقولون على المتشابهات في نظرية إطلاق الاتهامات على الغير، لكننا في هذا المقال أو في تلك العجالة لا نمتلك من الأدلة الثبوتية على تضليل العقل الجمعي أكثر من العنوان العريض الذي خرجت به “الجماعة” التي تدعي التجديد، وتُبشر بكل ما هو جديد، وتحاول اختراق الوعي الثابت والفكر المستقر لأمة ارتضت لنفسها دينًا حنيفًا وموقعًا جديرًا بين البشر.

موسم استئناف الحياة يشير من قريب بعد أن كان يؤشر من بعيد عن الإمام المهدي المنتظر -عجل الله تعالى فرجه الشريف-، وهو ما يعني أن الحياة بدأت في العودة مرة أخرى إلى شرايين الكون، إلى أمة الإنسانية من جديد، وكأن بدء الخلق كان قد أصيب بغيبوبة مؤقتة حتى جاءت “الجماعة” المغرضة بجلالة قدرها واكتشفت أن البعث لابد وأن يتحقق في هذا الزمان، وأن يوم الحساب قد اقترب أو قد حان، وأن موسم توزيع الحسنات على المسلمين قد آن أوانه.

صدق هذا أم كذب أم جنون أم تلويح بحلال لا ينأى عن حرامه؟ إنها لحظة فارقة في عالمنا النوعي أن نشهد جماعة تأتي بالأكاذيب وتطلقها على أنها حقائق واقعة، بل أن تنظم فعاليات مبرمجة ومعدة سلفًا كي يتقبلها جموع المسلمين على الرحب والسعة.

ما هذا الذي يحدث في ذلك الزمان؟ ومن أتى بهذه الأفكار حتى يتم طرحها على الملأ بعد أن كانت سرًا غامضًا؟ ما علاقة الذكاء الاصطناعي بالحروب الحريرية الناعمة يا سادة؟ ثم ما هو مربط الفرس في صياغة برنامج البعث الإنساني في يوم قيامة تم تحديده من جهابذة “السفارة” المضللين، وعن طريق حملة مباخر غير متفكرة تمامًا وغير ملتفتة أبدًا لقضايا الإنسانية الجوهرية، وهمومنا اليومية المعيشية.

إن تضليل الفكر البحريني انطلاقًا من هذه الخزعبلات المسماة في إحدى أطروحاتها بـ”موسم استئناف الحياة” إنما يأتي كمحصلة نهائية لما تم اجتزائه من مجتمع متحاب موحد، وما تم الاتفاق عليه أو الاختلاف حوله من مرتكزات صاغها نفر غير مُعتمد فقهيًا، وليس معترف به عقائديًا، بل وغير مسموح له قانونيًا.

الحروب الناعمة

ظننت أن موسم استئناف الحياة يتشابه في أبجديته اللغوية بـ”موسم الهجرة إلى الشمال” للعلّامة السوداني الطيب صالح، لكن هيهات وشتان بين فكر يهاجر إلى الأفضل، وآخر يتمسك بالأسوأ، قوم ينشدون الحرية وآخرون يسعون إلى الانكفاء.

ما كان في قلبه مرض، أو كان في عقله خلل، أو كان في سريرته قلق مستدام، يستطيع أن يفسر تلك اللعنة المستجابة لدى نفرٌ يلعبون بالألفاظ وكأنها وعدًا حق يقطعونه على أنفسهم ويضللون به أقوامًا في غاية البراءة والفضول.

الشهادة لله وحده أنني عندما قرأت بروتوكولات “موسم استئناف الحياة” أصابتني الدهشة، الخدعة في أعتى صورها، كدت أصدق أن جماعة “السفارة” تسعى بالفعل إلى تنوير المجتمع، إلى تثوير عاداته وتقاليده، إلى تطوير مخرجات ألفاظه، ومكنونات عقائده، صدقت مثلًا أن عنوان الحروب الناعمة قد يمس ثقافتنا في الصميم، وأن القبول بالآخر هو نوع من الود المضاف إلى تقاليد البحرين القائمة على التسامح والتعايش مع مختلف الشعوب والأديان والطوائف، وصدقت أن المعنى الذي يظل قابعًا في بطن الشاعر قد آن له أن يخرج للعيان كي يعلن عن نفسه بصراحة وقوة واستطاعة ربما لأول مرة في تاريخنا المتردد الجديد.

لكن والله شاهد على ما أقول، أنني اكتشفت لأول مرة ربما أن الخدعة لا تصيب إلا من يستحقها لذلك لم أنجر لطول الوقت خلف العنوان المدهش، بقدر ما حاولت التنبيش فيما وراء المصطلح، أي حروب ناعمة تلك التي تقصدها، جماعة السفارة؟ أية أسلحة تلك التي يجب أن نستخدمها على الملأ، وأية أسلحة تلك التي يحاول أن يدسها الدخلاء على ديننا الحنيف؟

بكل التأكيد فاقد الشيء لا يعطيه، ومن كان في أصل عقيدته خطأً أصيلًا، وضلالًا جوهريًا، وانحرافًا موثقًا، لا يمكن له أن ينظر إلى الحروب الناعمة مثلما ينظر إليها أهل الإجماع في الطائفتين الكريمتين.

بكل تأكيد هناك حروب اسمها، التدليس باسم القيم الرفيعة، والضحك على الذقون باستخدام أدوات الجيل الرابع المهيمنة عليها السحرة الإلكترونيين، وأصحاب الوصفات العامرة بالفضاء الرقمي والتكنولوجيا فائقة الجودة.

ربما تكون الأسلحة المستخدمة في تلك الحروب فتاكة لبعض الوقت وربما يكون لجماعة السفارة جيلها وألاعيبها التي تستطيع بها أن تخدع الشباب الصغير الذي لم يتعلم من أبجديات دينه الإسلامي الحنيف ما يقيه شر الضلالة إذا تفشت، أو ما ينأى به من سوءات الغمامة الداكنة إذا ما أمطرت، وربما يكون لهذه الأسلحة أثرها الملعون وفعلها المجنون على مكنون الأمة وتقاليدها الثابتة الأصيلة، لكن في جميع الأحوال فإن الحروب الحريرية آن لها أن تدخل تحت طائلة القانون، إلى كتائب الرقابة على المصنفات الفكرية، والمنتجات الذهنية، والجرائم العقائدية.

كلنا مسلمون، وكلنا على حق، لكن المسلم هو من سَلِم الناس من يده ولسانه، وهو ما لم نجده مطلقًا في فكر ضال، أو في باقة على طريق الانتشار، أو في موسم مستعد لاستئناف الحياة، لكنه غير مستعد لمواجهة الآخرة.

الذكاء الاصطناعي والغباء الطبيعي

ثمة عنوان عريض يتصدر ياقات “موسم استئناف الحياة” لجماعة التجديد المعروفة باسم “السفارة”، وثمة طرح جديد يحاول نفر منهم استجلاء الأحداث وتقديمها على طريقة العلوم المستحدثة مستهلين برامجهم بما درج على تسميته بـ”الذكاء الاصطناعي”.

العنوان أكبر من القصد، والقضية أعمق من الطرح، والعلم الفارق مع عالمه الافتراضي أكثر ضخامة من ذلك الذي يرتبط بفتاوي تعليمية، وأغراض دينية، ومحاذير كونية.

الجماعة تعتمد في تزكيتها لباقاتها على محاكاة الواقع الراهن وكأنهم لا يتحدثون عن غيب مشهود، أو عن عدم في وجود، أو عن حقيقة متقطعة في عقود، هم يتحدثون عن الذكاء الاصطناعي ويطرحونه كقضية ساعة في برامجهم سابقة التجهيز حتى يثبتوا للعالم أنهم يحاكون المعاصرة وأنهم لا يعيشوا في مجاهل التاريخ، وهم بطبيعة الحال يدركون أن الهجمة التي تعرضوا ليها بادعاءاتهم الفقهية، وتهويماتهم العدائية، وترويجهم لخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، قد خصمت منهم ولم تضف شيئًا، قد وضعتهم في مأزق فقهي، ونفق فكري، وكارثة لو حلت فإنها سوف تقضي على هراءات وصاياهم، ومناكفات آرائهم ومطارحات الخارجين عنهم والفاضحين لأمورهم.

جماعة السفارة بطرحهم لقضية الذكاء الاصطناعي إنما يحاولون هذه المرة أن يثبتوا للكاشفين عوراتهم بأنهم على الخط مع الحداثة، مع المشاريع الوطنية الكبرى، ونحن نعرف الأهمية التي تضعها جامعتنا من أجل الزج ببرامج الذكاء الاصطناعي في مناهجها، والولوج إلى عوالم في منتهى العبقرية من أجل الوصول مع العالم المتقدم إلى مستوى فكري وعلمي جدير بمواجهة مشكلات الكون، وقضاياه العويصة المعاصرة.

“التجديد” أو التجريد أو السفارة هي جماعة تحاول أن تكون على أرض الواقع - جماعة عادية جدًا لا تحض على الضلال، ولا تشجع على الانحراف، ولا تحاول ضرب الثوابت الدينية لنا في مقتل.

توقفت عن حديث قادتهم المستمر بأنهم يجتمعون مع الإمام المهدي المنتظر -عجل الله فرجه الشريف- وأنهم يتلقون التعليمات منه، وأنه قد ظهر بالفعل ولا جدال في ذلك.

هذه إشكالية فقهية، وثابت ديني لديه من العلامات والمقدمات ما لم يتحقق أصلًا حتى اللحظة.

الإشارات الكبرى أو الصغرى لم تدل عليه، ومناقشة الذكاء الاصطناعي من قبل جماعة تفكر بهذه الطريقة لا يمكن له أن يؤكد حسن النوايا وفضيلة الاستسلام لمحاسن الصدف ما يؤهلها لكي تنجح في مساعيها غير الحميدة، لأنها تريد بذلك تشتيت العقل الجمعي للمجتمع، وتوجيهه نحو مخدر موضعي جديد حتى ننسى ألاعيب الجماعة وتطاولها على إمامنا، وترويج ما لن ترضى عنه أمته ولو كره الكافرون.

الذكاء الاصطناعي، أو حرب النجوم، أو النزول على سطح القمر، أو اكتشاف إنسان آخر على كوكب المشتري، جميعها لن تنسينا أن جماعة السفارة ضلت، وأنها بباقاتها المزعومة لن تخدع أحدًا ولن تصطحبنا معها في رحلة ضلال أخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية