العدد 4104
الخميس 09 يناير 2020
banner
المثقف العربي ومعادلة الاضطراب الفكري (2)
الخميس 09 يناير 2020

انشطار الثقافة العربية بين مثقّف يؤيّد النّظام وآخر يؤيّد الحراك العربي الشعبي، أظهر كمّاً هائلاً من المعضلات الفكرية، التي أنهكت البلاد العربية مدّاً وجزراً، كلّ يرخي بظلاله على الآخر، فالمحصلة واضحة من وراء غربال فضفاض تترامى أطرافه الدائرية بين كسر الأنا والآخر، مُظْهِرة تراكمات مثقّف ينحصر بين تبعية إقليمية ودولية تُساند الأنظمة من جهة، والحراك من الجهة الأخرى، في دلالةٍ على مدى تَرهُّل تلك التراكمات، التي تجسّدت في رواية تغذّت على الشعبوية، لترسم حاضراً أكثر فداحة، وكأنّ المثقّف في حالة من التيه، لا يستطيع بناء معادلة الدّولة إلّا من خلال رؤية مَن يرسم طريق التبعية للآخر.

معادلة انشطار الثقافة لم تقِف عند هذا الحدّ، بل تجاوزت كلّ ما كان يتوقّعه العقل، حيث ظهرت حلقات المصارعة الفكرية، على الهواء مباشرة، بين أفراد النُّخبة المثقّفة، الذين تعاركوا بالأيدي، وهُم يشتمون بعضهم بألفاظٍ نابية، ما أدّى إلى إحداث شرخ عميق بين أفراد المجتمع وتلك النُّخب.

هنا يتوقّف الفرد العربي في مساحة يجهل اتّجاهاتها، معتبراً نفسه في حالة من التيه والضياع، وقد توصَّل إلى أنّ التنظير يختلف عن التطبيق، وأنّ الشعارات كافّة التي كانت تُرفَع، هي مجرّد نظريات فارغة المضمون. أمام هذه المحطّات المُشبعة بإشكاليات سلوك المثقّف، نتوقّف عند “التباعد الثقافي” بين مشرق الوطن العربي ومغربه، وكأنّه معادلة انفصال مُبهمة العناصر، فهل يتحمّل المثقّف مسؤولية ذلك؟

من الأخطاء الكبرى التي يقع فيها مثقّفنا، استمرارية البحث عن حلول تثاقفية تُقارِب بين المجتمع العربي والمجتمعات الأخرى، متجاهلاً نصف ذاته المختطَفة المتشظّية بين المشرق والمغرب، فبدلاً من هذا البحث السرابي العقيم والهروب من أمام واقعه، وجب عليه إيجاد استمرارية تقاربية للذات، لكي يفهمنا الآخر.

بالتأكيد إنّ هذا النّهج الثقافي يزيد من هوّة التباعد والتنافر تحت مسمّيات الدّولة القُطرية والأصل التكويني لها، مكوِّناً معادلة ثقافية وهميّة مبتعدة عن مفهوم التقارب. ثمّة سؤال يرتفع في ذهن الفرد العربي، ألَم تضطلع القضية الفلسطينية بدورٍ فعّال على مستوى رَدم الهوّة الثقافية بين مشرق الوطن العربي ومغربه؟

نعم، اضطلعَت القضية الفلسطينية، وعلى نحو كبير، بهذا الدَّور القومي، غير أنّها هي الأخرى وقَعت في الهوّة ذاتها، جرّاء الانفصال المؤلم بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة. فالتخوّفات تتّجه نحو بزوغ ثقافة وهميّة تفصل بينهما في حال استمرّ الانفصال، ليتبيَّن أنّ النُّخب الثقافية العربية تقف على محكّ التنافر القُطري، غير قادرة على رَسْم طريق التكامل الثقافي، وها هي الهوّة تزداد عمقاً وامتداداً نحو تَجزئة المُجزَّأ وتفتيت المُفتَّت.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية