سلطت وسائل التواصل الاجتماعي الضوء مؤخرا على كثير من حالات التنمر التي يواجهها المراهقون في مراحل مختلفة من حياتهم، حيث يغلب وقوع هذه الظاهرة في المدارس والتجمعات التي يتواجد فيها المراهقون والأطفال، وغاب عن البال تنمر من نوع آخر يحدث يوميا في بيئة العمل من قبل بعض الأشخاص الذين يعشقون فرض هيمنتهم والسيطرة على زمام الأمور بطريقة ما.
ولإيضاح الأمور بشكل مبسط وعودة إلى بعض تعاريف علم النفس، يصنف التنمر على أنه شكل من أشكال العنف والإساءة والإيذاء الذي يكون موجها من شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص، حيث يكون الشخص المهاجم أقوى من الشخص الآخر، ويكون التنمر عن طريق الاعتداء البدني والتحرش الفعلي وغيرها من الأساليب العنيفة، ويتبع الأشخاص المتنمرون سياسة التخويف والترهيب والتهديد.
وسؤالي هنا، كم عدد الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر يوميا في بيئة عملهم من قبل آخرين يشعرون بالتهديد المهني من قبلهم ولا يجدون حلا لوقف عجلة إبداعهم أو نجاحهم سوى عن طريق التنمر؟ سواء كان هذا التنمر بالتقليل من شأن إنجازاتهم أو عدم الاهتمام بوجودهم أو إشعال حرب نفسية لكسرهم، تكثر الأساليب التي لا حصر لها وتروى على لسان من يتعرضون للتنمر الوظيفي في بيئة عملهم، دون سبب وجيه! ويعتقد المتنمر أنه أذكى وأدهى، وأنا أتحدث هنا عن المتنمرين من فئة البالغين، فيتبع المتنمر أساليب لا تكون واضحة تماما، إلا أنه وبعد فترة يفقد السيطرة على مشاعره وتصرفاته وتصل طاقته السلبية إلى الشخص الآخر الذي يستطيع بسهولة تفنيد مشاعر اللاحب والضغينة التي يحملها له المتنمر حتى إن كان يظهر عكس ذلك.
وتكثر القصص التي تروى في بيئة العمل عن حالات التنمر، كازدراء البعض بلا سبب واضح محدد، ومن يمارس ضدهم التنمر أشخاص ناجحون بمعنى الكلمة ولم يجد المتنمر أسلوبا آخر لإيذائهم سوى اتباع طرق مباشرة بعدما فشلت كل الأساليب الملتوية في تحقيق ذلك، وحتى نكون منصفين، هناك فرق شاسع بين من يتعرض للتنمر رغم عطائه اللامحدود ومحاولاته المستمرة في النجاح وإثبات الذات وهو ما لا تخطئه العين، وبين بعض الخاملين الكسالى الذين يسعون لتعليق إخفاقاتهم على البعض تحت مسمى التعرض للتنمر، إلا أنني على يقين بأن الفئة الأولى ستصل إلى مرادها مهما طال الطريق، وسنجد الفئة الثانية “محلك سر”.