لو احتكمنا إلى ميزان القوة، فالحكم سيكون فوريًا وحاسمًا لصالح الكيان الصهيوني المحتل في أية مواجهة أو صراع ضد الفلسطينيين، ولو اعتمدنا في قراراتنا وسلوكياتنا على معطيات الواقع فقط ما أقدم فلسطيني واحد على أي تصرف يمكن أن يستفز المحتل، حيث سيكون مصيره حتما الموت أو السجن.
لكن الفلسطيني لا يزال يبهر العالم بإرادته الصلبة وبوسائل خارقة في التمسك بحقه والإصرار على مواصلة كفاحه ونضاله حتى يصل للنهاية التي يريدها ولا يقبل عنها بديلا وهي استعادة حقوقه والعودة إلى وطنه، وكانت مسيرات العودة آخر فصول هذه الحلقات المتواصلة من الإبداع الكفاحي الذي يقدمه الشعب الفلسطيني الأبي للعالم الذي أعطى ظهره لقضيته، وكاد أن ينساها، فإذا بهذا الشعب يعيد قضيته للصدارة الدولية ويمنحها زخمًا عربيا وإسلاميا ويفرضها على الأجندة الدولية بقوة ولأول مرة منذ سنوات عدة.
الفلسطينيون أنفسهم أوصلوا صوتهم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويجبر هذا المجلس على اتخاذ قرار بإرسال فريق من المحققين الدوليين للتحقيق في جرائم الحرب وفي أحداث العنف التي مورست ضد قطاع غزة خلال الأيام الماضية، من قبل قوات الاحتلال والاعتداءات العسكرية على المظاهرات الشعبية السلمية، هذا القرار يعد خطوة عملية حقيقية بعيدة عن بيانات الشجب والاستنكار لتعرية الاحتلال، وكشف ما يقترفة من فظائع وجرائم وانتهاكاتٍ ضد الفلسطينيين، ومحاسبة دولة الاحتلال عليها.
هذه العودة القوية للقضية الفلسطينية لم تقتصر على الجانب السياسي والقانوني، إنما تعدتها للنواحي الفنية كذلك، حيث تحول مهرجان كان السينمائي في فرنسا وهو الأكبر على مستوى العالم، من حدث فني إلى محفل سياسي لإظهار التعاطف مع الفلسطينيين ورفض قتلهم، بعد أن وقف العشرات من الممثلين العالميين دقيقة صمت إحياء لذكرى القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي، وهو ما أشارت إليه صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
من جديد بدأ العالم ينتبه إلى القضية الفلسطينية ويشعر بمرارة وحزن ويتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولم يعد صامتًا كما يراد له وكما ظل لسنوات إزاء زيادة أعداد القتلى والجرحى من المتظاهرين المدنيين الفلسطينيين.