كانت الجمعة فيما سبق نكهة مختلفة، مرتبطة بكل ما هو جميل من أصوات الأذان، خطبة الجمعة وسجود الخاشعين، تفسيرات القرآن، وتلاوات مجتهدة في معظم البيوت لسورة الكهف، وصلوات متتالية على الرسول الحبيب وآل بيته وأحبابه. أتحدث هنا عن لذة الفرض وحب ذاك اليوم الذي كنت أنا وغيري ننتظره على أحر من الجمر لممارسة طقوسه المختلفة، من غسل يوم الجمعة وتقليم الأظافر والاستماع للخطبة عبر التلفاز (بالنسبة لي ولمعظم الإناث) وتحضير مائدة الغداء للقاء الأحبه من أفراد العائلة والمقربين.
أصبحت الجمعة غريبة تمر علينا مرورا سريعا ولا أعلم إن كان البعض قد لمس هذا الشعور قط أم لا، لكنني بت أسأل من حوالي “ما بال جمعتنا!” تمضي كلمح البصر فلا نأنس بها ولا تأنس بِنَا، لقد أصاب رتم حياتنا السريع جمعتنا، فأصبحت الغالبية لا تقرأ القرآن سوى بيوم الجمعة - قراءة سريعة لا خشوع فيها - وكثير من شبابنا لا يزور مساجدنا إلا يوم الجمعة (لا اشتياقا إنما واجبا)، حتى أن أواصر القربى والتلاقي وصلة الرحم باتت لدى الغالبية العظمى مقتصرة على يوم الجمعة.
يبدو أن ربط الكثير من “الواجبات” بيوم الجمعة فقط دون بقية الأيام، أصاب جمعتنا بالوهن، فبتنا لا نستشعر روحانية هذا اليوم العظيم، وبات يوما نقضي فيه واجباتنا الدينية والاجتماعية لزاما لا حبا، لقد تمكن العصر وسرعته من الجمعة، فماذا تبقى لنا إن لم ننتبه لذاك اليوم... يغدو سريعا كالبرق وتغدو الأيام أسرع، فلا نفرح بقدومه ولا ننجز قبل غروبه ما وجب علينا من تسبيح وذكر وصلاة وتقرب، سنفقد بهجتنا بفقدنا معاني هذا اليوم، فاعتبروا يا أولي الألباب.