+A
A-

كلمة يصدر ترجمة رواية "طقس سيّء" للروائية الفرنسية ماري ندياي

بالتزامن مع فعاليات شهر القراءة الوطني، أصدر مشروع "كلمة" للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي الترجمة العربية لرواية "طقس سيّء" "للروائية الفرنسية ماري ندياي"، وترجمة ماري طوق، ضمن سلسلة "روائع الأدب الفرنسيّ الحديث" التي يشرف عليها ويراجع ترجماتها كاظم جهاد. وسبق للقارئ العربيّ أن تلقّى في السلسلة ذاتها عملاً روائيّاً للكاتبة بعنوان "ثلاث نساء قديرات".

تجمع أعمال ماري ندياي بين الواقعيّ إلى الفانتازيا والرمزيّ، وغالباً ما يسود في أعمالها تأرجح مقصود وثريّ بالدّلالات بين مستويات التعبير هذه. فتجد لديها غرابة وألفة في آنٍ معاً، من نمطِ ما سمّاه فرويد الألفة الغريبة أو المُقلقة.

وتدور هذه الرواية حول قصّة هرمان، وهي تندرج أيضاً في أجواء الاستبعاد التي تحفل بها روايات ندياي، كما تصوّر استحالة التواصل أو صعوبته القصوى. إلاّ أنّ هفوة صغيرة تقف وراء مأساة عريضة تنمّيها الرواية: فهرمان، معلّم الرياضيّات، وزوجته روز وابنهما الصغير معتادون على الاصطياف في هذه القرية الصغيرة التي تصوّرها الرواية، والواقعة غير بعيد عن باريس. لسبب غير معلوم يتأخّرون عن العودة إلى باريس في نهاية أغسطس تماماً، كما يفعل بقيّة المصطافين. والحال أنّه ما إن يحلّ مطلع سبتمبر حتّى يتبدّل الطقس ويسوء، وتتحوّل طباع القرية برحيل المصطافين الذين تعتاش من زياراتهم الصيفيّة، وتكشف عن وجهها الحقيقيّ. سوء الطقس وتبدّل طباع الأهالي يتكافلان بقوّة ويكاد الأوّل يكون رمزاً للثاني أو مبلّراً له. ذات صباح باكر تذهب الزوجة وابنها لشراء البيض من مزرعة مجاورة ثمّ لا يعودان. وبعد بحث طويل وحافل بمفاجآت يشغل وصفها مساحة هذه الرواية، يكتشف هرمان أنّهما بقيا في القرية، ولكنْ تعرَّضا إلى تحوّل أو امتساخ لن نكشف هنا عن طبيعته حتّى لا يخسر القارئ عنصر المفاجأة.

وعلى الرغم من تموقع العمل قرب باريس يبدو السكّان، بملامحهم الجسمانية وشعورهم الغامضة الشُّقرة، بعيدين كلّ البعد عن سكّان العاصمة في اختلاف مكوّناتهم وأصولهم. إلاّ أنّ الإطار هنا واقعيّ ومغرَّب نوعاً ما في الأوان ذاته. ويمكن لهذه المأساة أن تحدث في كلّ مكان.

هذه الرواية هي رواية ندياي الخامسة، كتبتها وهي في سنّ السابعة والعشرين، السنّ التي يبدأ فيها بعضهم مجرّد بداية بمعالجة الحقائق الأساسيّة للوجود، ولكن نراها وهي تعالج فيها أعمق الأسئلة وأخطرها. أسئلة تمسّ الهوية وامّحاءها، والتهميش المنظّم، وصراع الجماعة والفرد الأعزل، وتصادُم القانون الضمنيّ أو المستتر والوعي الشفيف.

غرابة القرية ينبغي ألّا تخفي علينا محمول الرواية السوسيولوجيّ والسياسيّ. مزيج الغرابة والألفة وشاعرية الوصف وقوّة الاستبطانات النفسانية هي لدى ماري ندياي أفضل طريقة لإيصال محمول سياسيّ يدور حول مسألة الإقصاء والتمييز السافر أو المستتر ورفض المختلِف أو غير المتطابق. صعوبة الاندماج: كيف ينخرط المرء في المحيط دون أن يتخلّى عن حصّة مضيئة من روحه، "حصّة الغريب"، أو دون أن يتنازل عن فردانيّته الثمينة وفرادته؟

إنّ التهميش الذي يتعرّض له المواطن الفرنسيّ بمجرّد قيامه بانزياحٍ بسيط، فيصير غريباً وشبه منبوذٍ في قرية سياحيّة يُفترض أنّها عائدة إلى بلده نفسه، يمكن التوسّع في قراءته لنرى فيه رمزاً لأنماطٍ تهميشٍ أخرى. وهذا ما يحدونا إلى التفكير في اختلاف ماري ندياي نفسها في الساحة الأدبية الفرنسية، اختلاف جعل منها كاتبة على حدة ودفع بعض النقّاد إلى التساؤل عن تصنيفها: فرنسية أم فرانكفونيّة؟ وهو تساؤل لا مبرّرات له على صعيد الفنّ. فصحيحٌ أنّها ولدت لأب أفريقيّ، ولكنّها لم تعش في أفريقيا قطّ. وصحيحٌ أنّ حضور الغرباء وذوي الشخصيات المتفرّدة والموسومة بافتراقها العميق عن السائد ماثل في أعمالها بقوّة، إلّا أنّ الروائيّة إنّما تثري بذلك الأدب الفرنسيّ وتؤشّر في الأوان ذاته على أزمته الطاغية عليه منذ عقود من السنوات.

ولدت الروائيّة ماري ندياي في النورماندي بفرنسا، لأمّ فرنسيّة وأب سنغاليّ لم تعرفه حقّاً، ونشأت هي وأخوها الوحيد (هو اليوم باحث وأستاذ في علم التاريخ معروف) في الضاحية الباريسية بور لا في كنف والدتهما المعلّمة. ولم يكن لها أكثر من سبع عشرة سنة حين صدرت روايتها الأولى "أمّا عن المستقبل الثريّ" في منشورات "مينوي" الباريسيّة في 1985. ثمّ توالت أعمالها، رواياتٍ وقصصاً ومسرحيّات، وكتابات للناشئة، يدور أغلبها حول الاستبعاد والتهميش والمجابهة الأليمة والشرسة لاضطراب الهويّة وتناقضات العصر ومشقّة الاضطلاع باختلافٍ مؤسِّسٍ للكيان.

أمّا ناقلة العمل إلى العربيّة، ماري طوق، فهي كاتبة ومترجمة من لبنان، من مواليد 1963، حصلت على إجازة في الأدب الفرنسيّ من الجامعة اللبنانية عام 1990، وتقيم وتعمل حاليّاً في مجال التعليم في مدينة جبيل بلبنان. نشرت قصصاً قصيرة ومقالات نقدية في الصحف اللبنانية والعربية، ونقلت إلى الفرنسية قصائد لعبّاس بيضون وعبده وازن ومجموعة سيناريوهات للمخرجة الراحلة رندا الشهال. ترجمت إلى العربيّة عدداً من الأعمال الأدبيّة من أهمّها "الجميلات النائمات" لياسوناري كواباتا، و"المرأة العسراء" لبيتر هاندكه، و"خفّة الكائن التي لا تُطاق" لميلان كونديرا، و"أوريليا" لجيرار دونرفال، و"تاريخ بيروت" لسمير قصير، و"ملْك الغائبين" لإلياس صنبر، و"المثقّفون" لسيمون دوبوفوار، و"جبل الروح" لغاو شنغجيان (بالاشتراك مع الشاعر والمترجم الراحل بسّام حجّار)، وأصدر مشروع "كلمة" عدّة ترجمات أدبية لها، منها "العصفور الأزرق وحكايات أخرى" لماري كاترين دونوا، و"نصوص الصِّبا" لغوستاف فلوبير، و"بنيّات اللهب" لجيرار دونرفال وثلاث روايات لماري ندياي.