العدد 3236
الخميس 24 أغسطس 2017
banner
شكرًا لقبيلة آل مرَّة
الخميس 24 أغسطس 2017

قرابة الأربعة أسابيع قضيتها هذا الصيف ما بين مدينة الضباب والأمطار والسواح (لندن)، و(بون) المدينة الألمانية الجميلة، الرابضة على ضفاف نهر (الراين) العظيم، والتي يطل من أعلى تلالها الخضراء الممتدة على طول النهر، القصر المهيب لـ (أدولف هتلر)، وهو يقبع شامخا، باردا، ينظر للجميع بتوجس، وحذر.

وبالرغم من المحطات المميزة بهذه السفرة، واللقاءات الرائعة التي جمعتني بعدد وافر من الأصدقاء الجدد، والذين يمثلون إضافة لرصيدي الإنساني، والحياتي، وبالرغم من البرامج المشوقة التي تخللتها السفرة، والأماكن، والمواقف، والأحداث، إلا أن أمرا ما استوقفني بشدة، ولفت انتباهي، وآثار إعجابي، وأي إعجاب؟

ففي (لندن) وأثناء رفقتي أحد الإخوة الأعزاء، تفاجأت بأن المدينة المزدحمة، والصاخبة، غارقة بجمع من المجالس الكريمة التي يحتضنها ويتكفل بمصاريفها أبناء قبيلة آل مرة الكرام، والذين يمتدون بكل دول الخليج العربي، فاتحين أبواب هذه المجالس العامرة لجميع الزوار، بلا أي استثناء.

وتتكون هذه المجالس من شقق واسعة ورحبة،  وبمناطق حيوية بالمدينة الفاحشة الغلاء، يتم استئجارها كمجلس للضيوف، مزود بالخدمات الأساسية، بمقدمتها خدمات الضيافة، حيث يتزاحم الجميع على الترحيب بالزوار، وبتنافس جميل.

وبهذه المجالس أيضا موظفون مؤدبون للغاية، يباشرون خدمة الضيوف والزوار، مقدمين لهم القهوة العربية والمشروبات الساخنة، والتمر والرطب والحلويات الشرقية، والمياه الباردة.

كما تقدم وجبة العشاء بشكل يومي، والتي غالبا ما تكون ذبائح كاملة، تماما كالحال القائم بالمجالس العائلية والقبلية بدول الخليج، وربما أكثر قليلا.

وعادة مايزورها أعدادا كبيرة من الزوار الخليجيين والعرب، خصوصا القادمين للعلاج والدراسة، حيث تكون متنفسا للأحاديث فيما بينهم، ومصدرا لتبادل الأخبار والمعلومات والمساعدة للزوار للجدد، وتوجيههم في كل شيء، وتسهيل إجراءاتهم، وتوظيف كل المعارف لخدمتهم، وخدمة ذويهم.

ويؤكد لي أحد رواد هذه المجالس بأن من أهدافها احتواء الشباب، بقوله “نحرص في المحافظة على القيم الإسلامية والعائلية من خلال هذه المجالس، والتي نراها بالغة الأهمية؛ لأنها تعزز للشباب والنشأة، العادات والقيم الأصلية، والتي لا تنقطع بسفرهم، بل تمتد وتتواصل وتستمر”.

ولاحظت أثناء تواجدي معهم، محافظة أبناء القبيلة على الصلاة وبأوقاتها تماما، وحين يدخل موعد الأذان يقف أحدهم بإتجاه القبلة ثم يبدأ بالآذان، ويصطف بعدها جمع الحضور بهدوء، بمن فيهم الأطفال، وصغار السن، للصلاة حتى إتمامها.

ومما لفت انتباهي أيضا، الأدب الجم للأطفال والنشأة والذين لم أستطع ان أَجِد خلافا بسلوكياتهم عن سلوكيات كبار السن أو بقية الشباب، قيد شعره، فهنالك حرص مذهل على تعليمهم أداب الجلوس، والحديث، والإنصات، وبشكل صارم، وحازم، ومذهل بنفس الوقت، يولد لديهم نضوجا مبكرا.

وذات الحال رأيته مستنسخا وبشكل جميل في مدينة (بون) الألمانية، ذات الفكرة، وذات الطابع، وذات الأخلاق، والقيم، والمبادئ، وإن اختلفت الوجوه والمسميات، إلا أن المبادئ هي ذاتها، والنهج هو ذاته، والقبيلة هي ذاتها، آل مرة.

شاهد الحال يقول بأن (آل مرة) نجحوا بالحفاظ على لحمة قبيلتهم، وتماسكها، وزرع الخصال الحميدة بأبنائها، وبالتوازن، ما بين الحفاظ على القيم والعادات، واكتساب العلم والثقافة والاطلاع، سواء بداخل بلادهم، أو بعيدا عنها، وبذلك نجاح مغاير يجب الإشارة إليه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .