+A
A-

مراد علي مراد.. 45 عاما من الصيرفة

- لم تكن المحاسبة ضمن اعتباراتي يوما رغم عشقي للأرقام

- تجربتـي مـع “الأهلي التجـاري السعـودي” جديـرة ومتميـزة

- وصلنا بـ“البحرين والكويت” لبر الأمان بعد “ضربتين قاضيتين”

 

أمضى 45 عاما في القطاع المصرفي، محاسب من الرعيل الأول، حيث كان من بين أول 5 بحرينيين درسوا المحاسبة في لندن في مطلع السبعينات.

يقول المصرفي مراد علي مراد إن الطريق لم يكن سهلا، لكنه استطاع اجتياز العقبات والنهوض بالعديد من المؤسسات التي ترأسها في مسيرته، ويأتي في مقدمتها بنك البحرين والكويت الذي رسا به وزملاؤه في بر الأمان بعد “ضربتين قاضيتين”، سوق المناخ، واحتلال العراق للكويت.

جاد بحياته وعمله، تركت الأرقام على أسلوبه الكثير، ويعتبر الاجتهاد والاستقامة مثل أعلى وخارطة طريق لأي شخص يريد النجاح وكسب احترام الناس.

وفيما يلي نص الحوار: 

أنهيت دراستي الابتدائية والتحقت ببرنامج التدريب المهني في شركة نفط البحرين “بابكو” في سن مبكرة، وأنا ابن 13 عاماً تقريباً، وبعدما أنهيت البرنامج حصلت على فرصة عن طريق بابكو أيضا لدراسة المحاسبة في لندن، وأنا أحمل حاليا شهادة من المعهد الملكي في المحاسبة الإدارية بالمملكة المتحدة، حيث تخرجت في العام 1970، ولديَّ شهادة الزمالة بالمعهد منذ العام 1993.

ويقول مراد المولود العام 1945، “بعدما أنهيت دراستي وعدت إلى البحرين عملت لفترة قصيرة في بابكو كمشرف لإحدى الدوائر في قسم الحسابات. وفي أبريل من العام 1972 تركت بابكو والتحقت للعمل لدى سيتي بنك، وكانت السوق البحرينية تشهد في تلك الفترة طفرة في البنوك، لتبدأ مسيرتي مع القطاع المصرفي وتستمر إلى نحو 45 عاما”.

بدأت مع سيتي بنك من خلال برنامج متدرب تنفيذي، حيث ابتعثت إلى بيروت للتدريب لمدة 6 أشهر، وبعدها انطلقت في عملي المصرفي في السلم الإداري. فأنا لم أعمل يوما إلا إداريا وفي جميع المواقع التي شغلتها.

عملت في سيتي بنك من العام 1972 إلى أواخر 1976. 

البحرين الوطني..
الأهلي التجاري السعودي 

في تلك الفترة صادف حدوث أزمة إدارية ومالية في بنك البحرين الوطني، وتم إجراء تغييرات في صفوف الإدارة العليا، وعرض عليَّ العمل لديهم كمدير للخزانة، وهي الوظيفة نفسها التي شغلتها في سيتي بنك قبل تركه.

التحقت في بنك البحرين الوطني لمدة قصيرة جدا من يناير 1977 إلى يناير 1979، لأنتقل بعدها إلى البنك الأهلي التجاري السعودي / فرع الأفشور في البحرين، وكانت فرصة أفضل بالنسبة لي خصوصاً بالمنصب، وبالفعل عملت كنائب للمدير، وخلال عام واحد أصبحت المدير، وبعدها المدير العام، وبقيت معهم من أبريل 1979 إلى ديسمبر 1986. كانت تجربة جديرة ومتميزة، فقد بنيت الفرع وأصبح قويا ويحقق أرباحا جيدة، كان حجم الأصول للفرع نحو 5 مليارات ريال سعودي، وهو رقم كبير جداً في تلك الأيام.

البحرين والكويت
منذ يناير 1987

يمكن للمهتمين بالقطاع المصرفي أن يتذكروا أنه في العام 1985 ظهرت بوادر المشكلة المالية الكبيرة في بنك البحرين والكويت، والتي كانت مرتبطة بشكل وثيق لسياسات ائتمانية غير مدروسة، وبانهيار سوق المناخ الذي سبب أزمة اقتصادية في الكويت.

كاد البنك أن ينهار، لكن الملاك الجدد من المؤسسات ومعها الملاك الحاليين قرروا ضخ رأس مال جديد، فضلاً عن تغيير الإدارة بشكل كامل وجذري، وتم اختياري من بين عدد من المرشحين لاستلام مسؤولية الرئاسة التنفيذية. كانت المسؤولية كبيرة، والتحدي أكبر، لكنني – والحمد لله – استطعت الوصول بالبنك إلى بر الأمان وإعادته الربحية.

 

 

بدأت مع بنك البحرين والكويت في العام 1987، عندها كان على شفا إفلاس، لكن بجهود مجلس والإدارة التنفيذية، وبالدعم الذي قدمته حكومة البحرين والقيادة الرشيدة في ذلك الوقت استطعنا النهوض به من جديد.

والفضل الأكبر الذي لن أنساه أبداً يرجع لصاحب السمو أمير دولة البحرين سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، رحمه الله وطيب ثراه، في ذلك الوقت، وكذلك من جانب صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء أطال الله عمره. كان لهم الدور الأكبر في دعم البنك والحفاظ عليه من الإفلاس. كما أذكر وقوف وزير المالية والاقتصاد الوطني إبراهيم عبدالكريم، ومحافظ مؤسسة نقد البحرين (مصرف البحرين المركزي حالياً) الأخ عبدالله حسن سيف في ذلك الوقت، والمساعدة في دعم البنك لاجتياز هذه المرحلة الحرجة في تاريخه. فقد تم إدخال الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي كأحد الملاك في البنك، فضلاً عن قيام الحكومة بوضع وديعة مع البنك ابتداءً من منتصف العام 1987، كما طلبوا من حكومة الكويت وضع وديعة مماثلة، الأمر الذي أعطانا المجال لتنظيف دفاتر البنك وتسوية الحسابات والاستثمارات غير المنتظمة والهالكة، وعمل مخصصات لها وشطب الديون التي لا يمكن تحصيلها. وفي العام 1989عاد البنك بجهود الجميع إلى السطح وحقق ولأول مرة أرباحاً بلغت مليون دينار، وأعتبر ذلك إنجازاً (...) شعرت بالارتياح وتنفست الصعداء.

توقعنا أن يكون العام 1990 أفضل بالنسبة للبنك، لكن للأسف احتلال العراق للكويت أخذنا خطوة كبيرة إلى الوراء لنعود إلى الخسائر من جديد. الحرب أثرت سلباً على كل شيء وطالت كل القطاعات، ولأن جزءاً كبيراً من أعمالنا تعتمد على سوق الكويت، فكانت “الضربة شبه قاضية”.

في العام 1991 عدنا ونظفنا الدفاتر مجددا، وطوينا العثرات، لنبدأ بتحقيق الربحية وتسديد الوديعة إلى حكومة البحرين بالكامل، وتوزيع أرباح مجزية على المساهمين، فضلا عن تحقيق نمو بالأصول، ونحن مستمرون بقوة منذ ذلك التاريخ، وكل سنة تكون أفضل من سابقتها. 

وأضاف مراد “بقيت في بنك البحرين والكويت بوظيفة الرئيس التنفيذي من 1987 إلى 2002، كما أصبحت في الوقت ذاته، ومن العام 1999 تحديدا، عضوا في مجلس الإدارة”.

قررت في نهاية 2002 إحالة نفسي إلى التقاعد، فصادف أنه في منتصف العام نفسه أن استحدثت الدولة ديوان الرقابة المالية، وعُين حسن الجلاهمة الذي كان رئيسا لمجلس إدارة البنك حينها، رئيسا للديوان الجديد، فتم اختياري رئيساً لمجلس الإدارة ومازلت إلى الآن. 

وهنا يجب أن أشيد وأشكر رؤساء مجلس الإدارة السابقين للبنك، المرحوم راشد عبدالرحمن الزياني أحد المؤسسين للبنك، والأخ حسن الجلاهمة على جهودهم وبصمتهم التي تركوها على مسيرة عمل البنك، وكما أشكر جميع أعضاء المجالس السابقة على إسهاماتهم خلال مسيرة البنك. 

عملت عضوا في مجالس إدارات الكثير من الشركات، لكنني تركتها جميعها، حيث حان الوقت لأخذ قدر أكبر من الراحة، والآن أنا رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت، ورئيس المجلس للشركة البحرينية الكويتية للتأمين، فضلا عن بعض الجهات غير التجارية كمعهد البحرين المصرفي (BIBF)، حيث أعمل نائبا للرئيس.

وأضاف مراد “خلال فترة عملي وخصوصاً في الثمانينات والتسعينات عرضت عليَّ عشرات الفرص، لكن قراري كان أن أبقى في البحرين لخدمة وطني (...) معظم العروض التي قدمت لي كانت خارج المملكة، ولكنني رفضتها جميعها رغم أنها مجزية.

الشركات وعضوية
ورئاسة مجالس الإدارة 

وشغل مراد منصب عضو مجلس إدارة بكل من شركة ممتلكات البحرين القابضة (ممتلكات) (2006-2011)، سوق البحرين للأوراق المالية (2001-2002)، مجلس التنمية الاقتصادية (2000-2003)، مجلس الشورى في دورته الثالثة (2000-2002)، إضافة إلى عضويته باللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني، والتي شُكلت بأمر أميري سنة 2000. 

وتقلد كذلك منصب رئيس مجلس إدارة بكل من شركة التكافل الدولية لمدة سنة واحدة في العام 2015، شركة كريدي مكس، وهي شركة مملوكة لبنك البحرين والكويت بالكامل (1999-2002)، شركة الأوراق المالية والاستثمار”سيكو” (1995-1999)، شركة البحرين لسحب الألمنيوم (بلكسكو) (1995-1999). 

كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية المصرفيين البحرينية في السنوات (1997-2002).

لماذا المحاسبة؟ 

وفي رده على سؤال حول اختياره للمحاسبة وللقطاع المصرفي كمهنة، يقول مراد لم يكن تخصص المحاسبة ضمن اعتباراته يوما، رغم أنه يعشق الأرقام منذ الصغر، فضلاً عن أنه كان متفوقا في مواد الرياضيات والمحاسبة (...) كنت من المتفوقين في الدراسة بشكل عام، وبعد تقديم شهادة الثانوية العامة النظام الإنجليزي (GCE)، خيرتني إدارة التدريب في شركة بابكو بالمواصلة بأخذ الدبلوما العليا، أو الذهاب لبرنامج جديد، وهو برنامج المحاسبة، فوقع اختياري على المحاسبة.

وتابع “كنت ضمن أول فوج بحريني يدرس المحاسبة، ونحن 5 أشخاص هم الإخوة الأعزاء عبدالله سيف، نورالدين عبدالله نورالدين، جواد حبيب، وإسماعيل مظفر”.

جدية المحاسب.. لغة الأرقام

يعرف عن المحاسبين بأنهم جادون تماشيا مع طبيعة عملهم، فهم أناس لا يعرفون إلا لغة الأرقام، وعن ذلك يقول مراد “صحيح، فهذا القول ينطبق عليَّ حرفيا، فأنا بطبيعتي جاد جداً، ومن الممكن أن الأرقام أثرت عليَّ، لكن يبقى دائما في الحياة متسع للتغيير والخروج عن النمطية”.

أهوى التكنولوجيا والبحث في كل ما هو جديد في هذا المجال، تجذبني التقنية بشكل كبير سواء الأجهزة كالكاميرات والتلفونات مثلاً، أو حتى الخدمات، لكنني لا أفضل وسائل التواصل الاجتماعي، فأنا أحب معرفة التقنية وكيف تؤثر على الحياة، وبالتالي توظيفها في تلبية المتطلبات. ومن خلال عضويتي في مجلس إدارة مدرسة ابن خلدون ومعهد البحرين المصرفي ورئاستي مجلس صندوق تنمية الموارد البشرية، فأنا مهتم كثيرا بالتدريب والتطوير وتنمية الموارد البشرية والتي هي أساس أي تطور.

عائلتك الصغيرة

عندي 3 أولاد، كلهم أنهوا دراستهم الجامعية، وتزوجوا ولديَّ 4 أحفاد، ولا أحد من أبنائي يعمل في القطاع المصرفي، وذلك بناء على رغبتهم، فأنا لا أتدخل في اختياراتهم، مع أن بعضهم بدأ حياته العملية بالقطاع المصرفي، لكنهم عادوا ليتركوه.

وتابع مراد “انشغالي الدائم جعلني بعيداً بعض الشيء عن عائلتي، كنت أقضي وقتاً أكثر مما يجب في العمل، لكن البركة كانت في رفيقة الدرب وشريكتي في الحياة أم علي، فهي من أزاحت عن كاهلي المسؤولية، ولها الدور الأساس في إدارة شؤون المنزل”.

برنامجك في رمضان

لرمضان عندي خصوصية، فهو شهر الخير والعبادة والطاعة، لكن يبقى للتواصل الاجتماعي نكهته الخاصة، فأنا أعتقد بأنه من أجمل سمات رمضان في البحرين هذه العلاقة الإنسانية (...) حيث تلتقي كثيرا من الناس الذين قد لا تراهم طوال العام؛ لذا أحرص على زيارة الكثير من المجالس وتفقد بعض الأصدقاء والإخوة.

هل أنت من محبي السيارات، وجمعها؟

أحب السيارات كثيرا، لكن علاقتي بها بقيت عادية (...) أول سيارة اقتنيتها في حياتي كانت مرسيدس 200 في العام 1970 بعد عودتي من لندن، وبقيت متعلقاً بسيارات المرسيدس لفترة طويلة، حيث اقتنيت معظم فئاتها من صغيرها وكبيرها.

لم احتفظ بسيارة يوما، حيث أتخلص منها بعد استخدامها أو عند التفكير بتجديدها، فأنا لا أقتني السيارات الكلاسيكية، لكنها هواية موجودة لدى ابني علي، حيث يهوى تجميعها منذ الصغر.

نصيحتك لجيل الشباب

بصفة عامة، كل جيل له مزايا إيجابية وأخرى سلبية، فالجيل الحالي يعرف كل شيء في سن مبكرة، فهو ملم بكثير من الأمور؛ كون العالم كله بين يديه، بخلافنا نحن الجيل السابق. أما الميزة الأخرى، فإن المجال مفتوح لهم للتعليم، فهم يواصلون تعليمهم للحصول على الشهادات العليا بسهولة، وهو الأمر الذي لم يكن متوفرا في أيامنا.

لكن وددت القول للشباب بأنه عندما تستكمل تحصيلك العلمي، فهذا يعني أنك مازلت في بداية المشوار، فالدراسة مدخل الحياة العملية بغض النظر عن المكان والزمان.

مثلك الأعلى 

لم يكن لديَّ يوما شخص بعينة يشكل مثلا أعلى بالنسبة لي، أعتقد بأن المثل الأعلى في الحياة أن يكون الإنسان جادا ومجتهدا ومستقيما، فهذه السلوكيات هي المثل الأعلى، قد أعجب بسلوك شخص، وأعتبر هذا السلوك مثل أعلى يجب الأخذ به.

طيبة البحرينيين 

اختلط البحرينيون بالثقافات الأخرى منذ زمن بعيد، فالبحرين موقع تجاري، ومركز عبور للكثير من الناس؛ الأمر الذي وفر بيئة خصبة من التعايش والتعامل والتعرف على الآخر. يضاف إلى ذلك أنه في السنوات الماضية (الستينات وحتى السبعينات) لم يكن لدينا في البحرين جامعات، فكان الطلاب يذهبون للدراسة في الخارج، إلى دول عربية وأوروبية، ما وفر أيضا فرصة كبيرة للاختلاط ببقية الثقافات والتعرف على التعددية، وهي أمور رسمت وكونت سمة البحرينيين.

التعرف والانفتاح على ثقافة الآخر جعلت البحريني متسامح يتعامل مع الآخر بحب ولطف وإنسانية، فهو متنور، منفتح على الثقافات.