+A
A-

معاناة الزوجة الثانية!

 المشكلة:

تتلخص مشكلتي في معاناتي التي تحملتها من طرف واحد، حيث إنني زوجة لشخص متزوج ولديه أولاد، إذ وافقت على الزواج منه بعد أن عانيت الكثير من زوجي الأول الذي أنجبت منه طفلين.

كنت متصورة أن زوجي الحالي سينسيني همومي ومأساتي السابقة وكانت هذه نصيحة إحدى صديقاتي بأن أتزوج كي أعيش حياة سعيدة ومستقرة تعوضني عن كل ما فاتني، حيث ما زلت شابة صغيرة ولكن كما يقال ما كل يتمناه المرء يدركه.. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

بدأت مأساتي مع غريمتي “الزوجة الأولى” التي لا يهدأ لها البال إلا عندما تخلق لي مشاكل وتسبب لي التعاسة في حياتي، ولقد تمكنت من تغيير عواطف زوجي نحوي واستطاعت أن تدخل الشك في قلبه بعد أن كان يحبني ولا يستطيع مفارقتي لحظة كما كان يقول لي دائما، ولو لم يكون متزوجا أساسا لاختارني زوجة وحيدة.

إلا أن تلك المرأة لم تتركني وشأني، فكانت تهددني دائما وتطلب مني أن أترك زوجها؛ لأنها تتهمني بأني سرقته منها، مع أني أستمع إليها بأذن صاغية ولا أحاول الرد عليها أو أخطأ في حقها لأنني أحترمها وأقدرها، لقد ضاقت بي الدنيا بسبب هذا الصمت المميت وسلبيتي، فأصبحت لا أطيق العيش مع هذا الحال.. نعم لزمت الصمت طوال هذه الفترة كي أحافظ على علاقتي بزوجي الذي أحبه وحتى لا أخلق له أي مشكلة مع زوجته الأخرى.

فعلت ذلك من أجل ألا أخسر حياتي مرة أخرى وأكون امرأة مطلقة للمرة الثانية مع العلم أن زوجي لا يصرف علّي؛ لأنه لا يستطيع أن يوفق بين بيتين، كما أنني أعمل في وظيفة متواضعة بدوامين وأحصل على راتب ضعيف بالكاد أستطيع أن أصرف منه على نفسي وأطفالي ومنه أدفع إيجار بيت يرثى لحاله حيث لا يليق حتى بالحيوانات! 

وزوجي الذي بيّن لي أنه لا يستطيع أن يفارقني لحظة واحدة، لا يزورني إلا في الأسبوع مرة واحدة فكأني زوجة مع وقف التنفيذ، كل ذلك يحصل لي وأنا أعتصر من الألم وصابرة على مأساتي، ولا أعرف ماذا أفعل.. هل أطلب منه الطلاق وأعيش مأساة امرأة مطلقة وأكون رواية تتلذذ بها أفواه الناس؟ مع العلم أن والدي متوفيان منذ سنوات عدة.. إنني أشعر بالوحدة الآن وكرامتي مهانة، ولا أعرف كيف ستكون حياتي بعد ذلك. فأرجو أن ترشدني يا دكتور خالد إلى طريق الصواب، ولن أنسى لك هذا العون أبدا، وأخيراً تقبل مني جزيل الشكر والتقدير.

 

 الحل:

 

سيدتي الفاضلة “أم سلمان”: خير ما فعلت بالكتابة عن مشكلتك وعبرت فيها عن معاناتك وقصتك الأليمة.. حقا إنها مأساة تعوز إلى الصبر والتفكير العاقل والتروي في اتخاذ القرار الحاسم لها.

عزيزتي: اسمحي لي أولا أن أحملك المسؤولية التامة لكل ما حدث لك، كررت الخطأ عندما قبلت الزواج من شخص متزوج ولديه أطفال وأنت أيضا لديك أطفال.. وكأنك حاولت اللجوء إلى الهروب والنسيان بحثا عن الحل عبر زواجك الثاني من دون إدراك أو وعي، فجلبت لنفسك مشكلة أعتقد من الأولى أن تكون نتائجها سلبية غالباً، ولاسيما في ظل هذا التهور والتسرع في اتخاذ القرارات المصيرية، مع أنه لم يكن ذلك رغما عنك وإنما بإرادتك وقناعتك الشخصية.. فكان عليك أن تصبري فترة كي تمنحي نفسك فرصة للالتقاء بشخص أنسب ولاسيما أنك ما زلتي صغيرة والطريق متاح أمامك لاختيار الأفضل.. 

على أي حال قد لا يفيد الندم والحسرة الآن بقدر التفكير الجاد بمشكلتك هذه.

يتضح لي من معطيات مشكلتك مع غريمتك، تلك المرأة التي حاولت أن تفرض شخصيتها عليك وتوقع بينك وبين زوجك، أنك مع الأسف الشديد كنت في منتهى السلبية معها، إذ لم تحركي ساكنا تجاهها، مع أن من حقك كزوجة لك شخصيتك المستقلة أن تكوني أكثر حزما وشدة في الدفاع عن حقوقك والوقوف في وجه تلك المرأة وصدها لكل ما بدر منها من تصرفات لا مبرر لها، فليس من حقها أن تلومك وتحاسبك على أشياء لا ذنب لك فيها، كان تكوني الثانية.. فهذه المسؤولية تقع على زوجك السلبي هو الآخر الذي ترك الحبل على الغارب، ثم ما هذا الجبن والسلبية التي تتصفين بها مع زوجك؟ ألم يكن الأجدى أن تخبري زوجك أولا بأول عما يحدث لك وعما يبدر من زوجته الأخرى؟ فأنت أيضا زوجته وتتمتعين بحقوقك الشرعية والاجتماعية وعلى زوجك المتقاعس أن يوفرها لك!

فأنصحك بأن تواجهي زوجك بكل شجاعة وتضعينه أمام الأمر الواقع وتطلبي منه بصوت مسموع، إما أن يوفق بينكما كزوجتين لكل منكما شخصيتها المستقلة وحقوقها الشرعية بالتساوي وبشرط أن يصون كرامتك ويوفر لك السكن اللائق وتخصيص المصروف المناسب على أقل ما يمكن أن يفعله الزوج للزوجة.. وإما أن يخلي سبيلك، وهذا في تقديري سيكون أهون الشرين في حال عدم تمكنه من تحقيق التوافق للحياة الزوجية في أبسط متطلباتها.

وأخيراً يا عزيزتي إن لم يحالفك الحظ في المرة الأولى وهذه المرة الثانية فلا تنزعجي وتتأثري كثيرا، وتعيشي إنسانة تعيسة طوال حياتك.. لا بل تأكدي أن الطريق ما زال ممهدا أمامك.. فتحلي بشيء من الصبر وحاولي الاستفادة من هذه الأخطاء والتجارب، والتي آمل أن تكوني قد أعادت ثقتك بنفسك لكي لا تتركي المجال لأهوائك وعواطفك الحساسة أن تسيطر عليك وتقيدك.. فحكمي عقلك قبل اتخاذ أي قرار فأنت سيدة علمتك الحياة كثيرا بتلك المآسي المختلفة أن تكوني شجاعة وجريئة وبالتحديد متى تقولين نعم ومتى تقولين لا.. مع تمنياتي لك بالتوفيق إن شاء الله.

 

د.  خالد إسماعيل العلوي

استشاري الارشاد النفسي