العدد 3078
الأحد 19 مارس 2017
banner
الأوروبيون والمعركة المعقدة
الأحد 19 مارس 2017

القرار المتخلف الذي أصدرته المحكمة الأوروبية, بمنع ارتداء أي رمز أو لباس له دلالة سياسية أو فلسفية أو دينية في أماكن العمل, يستهدف بشكل صريح المسلمات العاملات في القارة العجوز. وفيما يدعي مؤيدوه أنه يهدف إلى حماية قيم أوروبا، إلا أنه يشكل ضربة قوية للحضارة الأوروبية، ويعطي مؤشرا على أن أوروبا تسير بوتيرة مقلقة في عكس اتجاه حركة التقدم الحضاري والإنساني، عائدة إلى حقب تاريخية بائدة سيطر فيها التمييز والعنصرية وتعرضت المرأة فيها لأسوأ أنواع الاضطهاد.

سيتحول يوم 14 مارس 2017 إلى نقطة سوداء في تاريخ أوروبا الحديث، وستتذكره الأجيال القادمة بأنه اليوم الذي كشف فيه الأوروبيون عن وجه قبيح معاد لقيم المساواة والتسامح وقبول الآخر وعدم التمييز بين البشر على أساس الجنس أو العقيدة.

وفيما خص العالم المرأة باحتفالية سنوية تهدف إلى تشجيع المساواة بين الجنسين ودفع المرأة إلى العمل في ظروف أفضل، عكس قرار المحكمة الأوروبية في الأسبوع ذاته ارتفاعا مخيفا في ترمومتر الإسلاموفوبيا المتفشية في الغرب ذلك  الوباء الذي يغذيه ويتغذى عليه تيار اليمين المتطرف حتى أصبح وحشا كاسرا تراهن عليه حتى الأحزاب السياسية التي توصف بالمعتدلة لحصد أصوات الناخبين.

لا ينبغي النظر إلى القرار، الذي يخالف مواثيق الأمم المتحدة والدساتير الأوروبية، بمعزل عن صعود نجم الفاشية الجديدة التي تنطلق برامجها الانتخابية من قاعدة معاداة المسلمين والمهاجرين، وتجد لدى جيل مسطح آذان صاغية تطربها نعرات الكراهية العمياء لكل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين.

ما من شك في أن القارة الأوروبية لا تخلو من أصوات المنطق والحكمة، لكن مثقفيها ومفكريها يخوضون معركة معقدة ضد قوة صاعدة يقودها أعداء الحضارة الذين يستخدمون رسائل الخوف والكراهية سلاحا فاعلا ومؤثرا لتحقيق مآربهم الآثمة بإشعال فتيل حرب حضارية شاملة لا تبقي ولا تذر؛ لينصبوا أنفسهم أباطرة مرحلة قاتمة تنبعث منها رائحة العصور الوسطى المظلمة.

ربما خسرت قوى الشر جولة في هولندا لكنها بكل تأكيد لم تخسر الحرب، وستحاول أن تضرب بعنف في الجبهات الأوروبية الأخرى. لكن على الأوروبيين أن يدركوا أنهم أمام قرار مصيري سيتحدد على إثره مستقبل قارتهم، فإما أن تتصدر ركب الحضارة أو أن تنهار لتنطبق عليها مقولة الفيلسوف الأميركي ويل ديورانت: “الحضارة العظيمة لا يقضى عليها من الخارج إلا بعد أن تقضي هي على نفسها من الداخل”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية