مهما علا صوت الباطل وطال زمنه، فإن الحق لا محالة منتصر، ومهما تكاثرت محاولات تشويه القيم والمبادئ السامية وإثارة الظنون بشأنها والخلاف حولها، فإنها ستظل إحدى أهم نقاط الاتفاق بين البشر جميعا إذا ما امتلكوا الحس الإنساني الطبيعي والجرأة على قول الحق، حتى وإن تحملوا في سبيل ذلك المشقة والصعوبات.
فها هي مذيعة إسرائيلية تعرب عن تأييدها ليس لما يقوم به المجرمون الصهاينة من جرائم وحشية بحق الفلسطينيين وسط صمت عالمي مريب، وإنما تتعاطف وتؤيد الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات الدعس ضد الجنود الإسرائيليين، في موقف شجاع وتعبير عن شعور غير مألوف لم يكتف بالإعراب عن الألم والحزن لما يتعرض له الفلسطينيون، وهو أمر قد يكون كافيًا ممن ينتمي لهذا الكيان الصهيوني، وإنما تعدى ذلك للتعاطف مع من تعتبرهم إسرائيل وكثير من دول العالم قتلة ومجرمين.
كثيرون يعملون ليلا ونهارا على تشويه صورة المقاومة الفلسطينية ويغلفون حديثهم بكلمات براقة عن الإنسانية والسلام والسماحة وغيرها من المفاهيم التي لا تنطبق بأي حال على هذا الصراع غير المتكافئ وهذه الحرب الشرسة التي يشنها العدو الإسرائيلي بكل قواه وعتاده ضد أبرياء عزل لا حول لهم ولا قوة، في الوقت الذي لا نسمع فيه مثل هذه الكلمات الجاذبة تقال لمن يقومون بارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين.
فإذا بخان ألماليخ المذيعة بإذاعة الجيش الإسرائيلي تصحح المفاهيم لأمثال هؤلاء وتكتب على الفيس بوك قائلة “كنت سأدعس شرطيا قام بهدم منزلي، لإسكان أناس آخرين بدلا مني فيه، فقط لأنهم أقوى مني”، فقام مدير الإذاعة بإقالتها من عملها، مؤكدا أن “كل من يبدي دعمه لعمليات الدعس لأفراد الشرطة الإسرائيلية، لا مكان له في الإذاعة العسكرية، ولذلك قررت إنهاء خدمات ألماليخ في الإذاعة”.
المذيعة الإسرائيلية ليست مؤرخة أو كاتبة أو خبيرة في العلوم السياسية والاستراتيجية لكي تبدي رأيًا في دلالات عمليات الدعس وأسبابها ونتائجها، لكنها إعلامية تقدم برامج موسيقية وثقافية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بهذا الصراع، وامرأة امتلكت شعورًا إنسانيًا سليمًا وجرأة في التعبير عنه والبوح به رغم يقينها بأنه مخالف للشعور المجتمعي السائد.
الحقيقة أن خان ألماليخ لم تكن وحدها في هذا الصراع، وإنما اصطف معها الناشط “نداف فايمان” الذي ينتمي لمنظمة “كسر الصمت” الحقوقية، حيث أكد هو الآخر في محاضرة له أن طعن جندي إسرائيلي لا يعتبر إرهابا، وإذا حاول أحدهم إطلاق النار على الجنود بهدف قتلهم فهو ليس إرهابيا، قائلاً مقولة نأمل أن تكون مدوية في كل ركن من أركان العالم، وأن نعمل على ترسيخها في أذهان الجميع وهي: “إذا جاءت دولة أخرى لاحتلال بلدك والسيطرة على المنطقة التي تسكن فيها، فإنه يجوز لك أن تقاتلها بالوسائل العنيفة ضد الاحتلال، فقط ضد الجنود وأفراد الشرطة، وإذا طعنت جنديا أمام حاجز عسكري فلا يسمى ذلك هجوما إرهابيا».