في الوقت الذي نكتشف فيه بين فترة وأخرى مظهرا جديدا من مظاهر التخلي عن القضية الفلسطينية في دولنا العربية والإسلامية وخطوة مختلفة تعكس القبول بكل ما هو إسرائيلي، طمعًا في تحقيق “مكاسب” حتى لو كانت “وهمية” لأنها إما ستنقلب حتمًا بعد ذلك لخسائر فادحة أو أنها تحمل في طياتها بالفعل هذه الخسائر لكن يغفل عنها المتعاملون بفعل جاذبية “الصورة” أو “معسول” الحديث، تأتينا من بعيد جمهورية جنوب أفريقيا ورئيسها جاكوب زوما ليعطينا درسًا عمليًا في كيفية التضامن مع القضية الفلسطينية، حيث طالب مواطنيه - خلال خطابه في الذكرى السنوية الـ 105 لتأسيس حزب “السلطة” الذي يترأسه بعدم السفر إلى إسرائيل حتى لو كانت زيارتهم من أجل “السلام”، مؤكدًا أنه سيواصل تضامنه ودعمه للشعب الفلسطيني، ومعربًا عن ثقته في أن الشعب الفلسطيني سيحقق أهدافه يوماً ما وسينال استقلاله. هذه الدعوة جاءت بعد خطوات لا تقل اهمية من بينها إقرار تعديلات على القوانين المحلية لمنع مواطني جنوب أفريقيا الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية من الخدمة العسكرية ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي، ومحاولات للحد من استيراد المنتجات الإسرائيلية. وكأن “زوما” يرد على من سيقول إنه يتعامل مع الإسرائيليين خدمة للقضية الفلسطينية ورغبة في التوصل لسلام، فقطع عليهم الطريق، مؤكدًا أن تحقيق هذه الغاية لا يتطلب ذلك، بل يفرض ضرورة مقاطعة هذا الكيان الصهيوني حتى يلتزم بشروط السلام وقواعده التي وضعتها الشرعية الدولية ومبادرات السلام المختلفة والمتعددة التي قوبلت بتجاهل وصلف إسرائيلي مستمر. شعرت إسرائيل بخطورة هذه الخطوة الجريئة من رئيس الدولة الأفريقية التي لها ميراث سلبي امتد لعقود (وتحديدًا من عام 1948 وحتى عام 1994) من الفصل العنصري، حيث احتجت وزارة الخارجية الإسرائيلية رسميا على دعوة زوما، مؤكدة أنها تذكر بالمقاطعة العنصرية لليهود في أوروبا.
إسرائيل تدرك أن هذه الخطوة تشير إلى تراجع مكانتها حول العالم وتشكل مزاج عالمي مغاير ورافض لممارساتها وهو ما انعكس في بعض التطورات ومن أهمها تمرير قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2334 الذي اعتبر الاستيطان الإسرائيلي غير مشروع وأنه عقبة رئيسية أمام السلام بعد أن امتنعت واشنطن عن استخدام الفيتو ضد تمرير هذا القرار في سابقة أراد الرئيس أوباما أن يختم بها وجوده بالبيت الأبيض لعلها تضع نقطة بيضاء في صفحته السوداء تجاه القضايا العربية.
زادت من المخاوف الإسرائيلية أنباء بأن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جهز قائمة “سوداء” أعدتها حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل “بي دي أس” للشركات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية تمهيدا لإقرار مخالفتها للقانون الدولي لمنع وجود أية مؤسسة إسرائيلية خارج الخط الأخضر، في مؤشر جديد بأن مقاطعة هذا الكيان العنصري أمر إنساني وواجب أخلاقي يوجب عدم النظر إلى أية مكاسب “وهمية” من التقرب إليه أو التعامل معه بأية صورة ودية كانت.