العدد 2997
الأربعاء 28 ديسمبر 2016
banner
المثقف العربي ومعادلة الاضطراب الفكري (3)
الأربعاء 28 ديسمبر 2016

تعيش بلداننا عصر النصّ المفتوح، الضارب في كلّ مفاصل الحديقة الثقافية، وما مواقع التواصل الاجتماعي إلّا مثال على ذلك، حيث انحنى المجتمع إلى صفرية التفريغ الإلكتروني، وكأنّ كلّ فرد فيه يمتلك دولة إلكترونية خاصّة به، يفرغ شحناته “التصحيحية” في فضاء عالم افتراضي، كمَن يخضّ الماء ليصنَع لبناً، والأكثر عرضة هي النُّخب الثقافية، التي ارتضت الشكليّات الإلكترونية بعيداً عن الواقع اليومي، وقبلت الشعارات الطنّانة الرنّانة والصُّور الثقافية المُشبعة والمُغلَّفة باتّجاهات كشفت الوجه الحقيقي عن طبقة ارتَوت من ماء كنّا نشربه جميعاً، فخرجت صورة طبق الأصل عن تصرّفاتنا المجتمعية، التي تتّجه نحو انحدار المجالات الحياتية، فالواقع العربي يحتاج إلى شعارات تتناسب مع واقعه، وليس ثوباً فضفاضاً تتلاعب به الرياح الإلكترونية.

على تلك الطبقة ضبط تصرّفاتها، وطرْح قضايا تُرشِد المجتمع نحو الحقيقة، وليس إشباعها بشحنات إلكترونية منتهية الصلاحية، لأنّ الشبكة العنكبوتية بتوجّهاتها واستمالتها، تشكّل نقطة مُهمّة يجب استغلالها بطريقة خلّاقة بعيدة عن النَّهج الخطابي الفضفاض.

يتّضح أنّ المنطقة العربية تفتقد نكهةً ثقافيّةً خاصّةً تكسب الفرد ثقافة سياسية واضحة، فالواقع العربي أكبر من كلمة مثقّف.

زبدة القول، حال المثقّف العربي في وضعٍ لا يُحسد عليه؛ إنّه تماماً كـ “الواقف” على صفيحٍ ساخن، تتلاعب به رقصات الموت وضحكات الخوف، لا يستطيع المواءَمة بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويعتمد المثالية أكثر من الواقعية، فهو إمّا مثقّف سلطة، أو حزب، أو قبيلة، أو طائفة، أو “مثقّف مرحلة”، وإمّا “تابع” يضرب حجر النَّرد إقليمياً ودولياً، أو مثقّف “شعبوي” يُختزل بمرور الزمن، أو “خجول” يترنّح بين الأنا والآخر، أو “مثقّف كلمة” ابتَعَد عن الواجهة... فهل يستحقّ المثقّف العربي لقب “النُّخبة”؟ أم انّ المستقبل سيحمل من ضمن طيّاته مفاجآت تَقْلب الطاولة؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .